الكعبة المشرّفة ، وراح يلتقي بالوفود تلو الوفود ، والأعيان بعد الأعيان ، والشخصيّات بعد الشخصيّات إلى أيّام الحجّ ، فأحرم حاجّاً لله تعالى ، ولكن في تلك الأثناء علم الحاكم الجديد بأمر الإمام الحسين عليهالسلام ورفض البيعة له ، فبعث رسولاً وجنَّد جنوداً وأمرهم : اقتلوا الحسين ولو كان متعلّقاً بأستار الكعبة ، إنّه إذن الفتك بالحسين أينما وجد.
فما العمل إذن؟ والأيّام من أيّام الله المقدّسة هي أيّام الحجّ ، والشهر هو الشهر الحرام (ذو الحجّة) محرّم فيه القتال ، والمكان حرم الله الأقدس بيت الله العتيق مكة المكرّمة ، والمطلوب أقدس دم في ذاك الزمان ، هو دم شخص الإمام الحسين عليهالسلام بالذّات للحاكم الجائر الظالم يزيد بن معاوية.
علم الإمام بالمؤامرة الخبيثة التي كان يقودها عمرو بن سعيد بن العاص وحثالة من أهل الشام أعدَّهم وجعل السيوف تحت إحرامهم ؛ للفتك بالحسين عليهالسلام في مكة المكرّمة ، وأينما وجدوه حتّى ولو كان يطوف بالبيت ، أو يسعى بين الصفا والمروة أو حتّى في عرفات والمشعر الحرام ، أينما استطاعوا أن يجدوه فسوف يقتلونه ـ والعياذ بالله ـ. ويا ويلهم من جرأتهم على الله ورسوله ووليّه! فأراد الإمام أن يحبط المؤامرة الدنيئة تلك ، فاقتصر على العمرة وعدل عن الحجّ ، وأراد الخروج من مكة بأسرع وقت ممكن حفاظاً على حرمة البيت وقدسيته ، فأعلن ذلك على رؤوس الأشهاد بخطبة رائعة قال فيها :
«الحمدُ لله ، وما شاء الله ، ولا حول ولا قوّة إلاّ بالله ، وصلّى الله على رسوله ، خُطّ الموتُ على ولدِ آدم مخطّ القلادة على جيد الفتاة ، وما أولهني إلى أسلافي اشتياق يعقوب إلى يوسف ، وخُيّر لي مصرعٌ