ونحن إذا فحصنا الفضيلة العقليّة (الحكمة) وجدناها تتألّف من عنصرين أساسيّين لا غنى لها عن أحدهما :
ـ قوّة فكريّة في طريقها إلى التوازن.
ـ وعلم يرشد هذه القوّة إلى طريق الاعتدال.
ليس التوازن في القوّة الفكريّة من الأشياء التي تمنحها المصادفة ويكوّنها الاتفاق ، وليس بالأمر السهل الذي تكفي في حصوله للإنسان خبرة قليلة وتجربة نادرة ؛ لأنّه توازن في كلّ ما يعتقد ، وتوازن في كلّ ما يقول ، وتوازن في كلّ ما يعمل ، وأنّى للقوّة الفكريّة بهذه الاستقامة التامّة إذا هي لم تستعن بإرشاد العلم الصحيح ، وأنّى للعقل بمفرده أن يبصر هداه في الطريق الشائك والمسلك الملتوي.
كلّنا نتمنّى التوازن العادل في طبائعنا والاستقامة التامّة في سلوكنا ، وأيّ أفراد البشر لا يتمنّى الكمال لنفسه؟ ولكنّ الجهل يقف بنا دون الحدّ ، وميول النفس تبعدنا عن الغاية ، والعقل هو القوّة الوحيدة التي يشيع فيها جانب التفريط بين أفراد الإنسان ؛ وذلك من تأثير الجهل. فالجهل هو أوّل شيء يحاربه علم الأخلاق ؛ لأنّه أوّل خطر يصطدم به الكمال الإنساني ، وأوّل انحطاط تقع فيه النفس البشريّة ، وأوّل مجرّئ لها على ارتكاب الرذيلة ، بل هو أوّل خطيئة وآخر جريمة.
يرتكب الجاهل أخطاء خُلقيّة تعود بالضرر على نفسه ، وقد يعود ضررها على أُمّته وشعبه أيضاً ، وعذره في ذلك أنّه جاهل ، وإذا كان الفقيه لا يعد الجهل عذراً في مخالفة النظام الشرعي ، فإنّ الخلقي أجدر أن لا يقبل ذلك العذر ؛