قال عليهالسلام : «إحرازُ المرءِ نفسهُ وإسلامهُ عرسهُ». (أي أن يصون نفسه عن الأعداء ويسلّم لهم زوجته).
قال عليهالسلام : «فما الخرَق؟».
قال عليهالسلام : «مُعاداتُكَ أميرَك ، ومَنْ يقدرُ على ضُرِّك ونفعك».
ثمّ التفت أمير المؤمنين إلى الحارث الهمداني الأعور ، فقال : «يا حارث ، علّموا هذه الحكمَ أولادكم ؛ فإنّها زيادةٌ في العقل والحزم والرأي» (١).
نعم ، إنّه درس حكيم ، وحكمة بالغة تعلّمنا إيّاها هذه الكلمات القصيرة التي اشتملت عليها هذه الرواية ، والحوار ما بين الأمير وشبله الحسين عليهماالسلام.
فالحكمة : هي التوازن العادل في القوّة الفكريّة ، والرذيلة التي تقابل الحكمة من جانب التفريط هي الحمق والبلادة ، ويعنون عنها : تعطيل القوّة الفكريّة عن العمل ، وكبت مالها من مواهب واستعدادات ، والخسيسة التي تضادها من جانب الإفراط هي المكر والدهاء ، ويريدون منه التجاوز بالفكر عن حدود البرهان الصحيح ، واستخدام قوّة العقل في ما وراء الحقّ ، فقد تثبت نتائج ينكرها الحسّ ، وقد تنفي أشياء تثبتها البداهة.
ولست أدري أنّ لفظ المكر والدهاء يدلاّن على هذا المعنى ؛ لأنّهما بمعنى الاحتيال والخداع وهو شيء آخر وراء الحكمة الباطلة التي يقصدها هؤلاء المفسّرون ، أمّا الدهاء بمعنى جودة الرأي فهو يقرب من معنى الحكمة ، وإذن فلنسمّ هذه النقيصة الخلقيّة (بالحكمة الباطلة) كما يسمّيها علماء الأخلاق.
__________________
١ ـ معاني الأخبار ص ٤٠١ ح٦٢ ، موسوعة البحار ٧٢ ص ١٩٣ ح١٤.