الجامع بالنّور الساطع ، وهو للدّعوات سامعٌ ، وللدّرجات رافعٌ ، وللكربات دافعٌ ، وللجبابرة قامعٌ ، فلا إله غيره ، ولا شيء يعدله ، وليس كمثله شيء وهو السميع العليم ، البصيرُ اللطيف الخبيرُ ، وهو على كلّ شيءٍ قدير ...» (١).
تأمّل عزيزي القارئ هذه الكلمات وأعدْها ؛ حتّى تتذوق ما فيها من حلاوة ، وترى ما عليها من طلاوة ، ألا تجد أنّ في كلّ جملة قصّة أو حكمة ، أو نظريّة علميّة؟
ألا ترى أنّ جملة «ليسَ لقضائهِ دافعٌ ، ولا لعطائه مانعٌ» تلخّص مسألة كلاميّة في غاية الدقّة (القضاء والقدر) ، وبحوثه الكلاميّة التي طال الحديث فيها بين أقطاب الأُمّة ، وافترقت على أساسها إلى ثلاث فرق أساسية؟
أمّا الجملة الثانية : «ليسَ كصُنعهِ صُنعُ صانع» فإنّها تحكي قصّة الخلق كلّه من الذّرة إلى المجرّة ؛ فإنّها كلّها مخلوقة له سبحانه ، وإذا أضفنا إليها الجملة التي بعدها فإنّها تزداد ألقاً ونوراً ، أعني قوله عليهالسلام : «فَطَرَ أجناس البدائِع ، وأتقنَ بحكمتهِ الصنائعُ».
نعم ، إنّه إبداع أوّل الخلق ؛ لأنّه جاء لا عن مثال سبقه. والفطر : الخلق الإبداعي الأوّل. فطرة الله : خلقته الأولى وإيجاده الأوّل الذي لا يمكن أن يكون إلاّ بحكمة بالغة ودقّة متناهية ، وإلاّ كان الخلق عبثاً والخالق لاعباً ـ والعياذ بالله ـ وهو الحكيم العليم القادر.
__________________
١ ـ البلد الأمين ـ للكفعمي ص ٢٥١ ، زاد المعاد ـ للمجلسي ص ١٤٦.