لأنّهم سوف يدخلون النار بسببه ، وهو لا يريد لهم إلاّ الرحمة والجنّة ، إلاّ أنّ إبليس ركبهم وساقهم إلى ما فيه هلاكهم في الدنيا والآخرة.
إنّه إذا كان جلب المنفعة هو أكبر دوافع التّجار إلى العمل ، ودفع المضرّة هو أكبر دوافع الحكماء ، فإنّ مسؤوليّة السَّلام هي أكبر دوافع العظماء إلى ذلك ؛ ولذلك كان الإمام عليهالسلام يرى أن السَّلام وحده هو الكفيل بإخراج الأُمّة من شرنقة الضياع والانحراف.
وكما كانت حروب الرسول الأعظم صلىاللهعليهوآله دفاعيّة ـ دفعاً للاعتداء ، وبحثاً عن السَّلام في الأرض ـ فإنّ دفاع الإمام الحسين عليهالسلام عن نفسه وعياله ، لهو أكبر دليل على أنّه لم يرد الحرب ، بل كان دائماً يقول : «إنّي أكرهُ أن أبدأهم بقتالٍ» (١).
حتى حين تمكن من طلائعهم ـ جيش الحرّ الرياحي ـ وكانوا على شفا حفرة من الهلاك بالعطش هم ودوابهم ، فإنّه أنقذهم وسقاهم الماء حتّى أنعشهم ولم يبدأهم بالقتال ، وكان من السهل أن يبيدهم عن بكرة أبيهم ، أو لا أقل أن يتركهم يموتون عطشاً في تلك الصحراء ، وتلسعهم سياط الشمس المحرقة حتّى يهلكوا ، إلاّ أنّ أخلاق الحسين بن علي عليهالسلام أرفع من ذلك بكثير.
فالإمام لم يكن أبداً يريد القتال ولا الحرب ، ولم يكن يسمح لعسكره ببدء المعركة بعد أن تحتّمت في صباح اليوم العاشر ، إذ لم تستعر نيرانها إلاّ بعد أن تقدّم (عمر بن سعد) ووضع نبلاً في كبد قوسه ، ورماه إلى جهة معسكر
__________________
١ ـ مستدرك الوسائل ١١ ص ٨٠ ، بحار الأنوار ٤٥ ص ٤.