الإمام الحسين عليهالسلام يعلم علم اليقين أنّه مقتول بسيوف بني أُميّة وزبانيتهم ، وكلّ مَنْ سيبقى معه مصيره الشهادة وقطع الرؤوس والدوران بها في البلاد ، والتمثيل بجثثهم على رؤوس الأشهاد ؛ ولذا فإنّه (صلوات الله عليه) ولعظيم تديّنه وأخلاقيّة نهضته ، أراد أن يحلّ الجميع من البقاء معه ؛ لأنّه ربّما كان بينهم مَنْ يرى أنّ حياته في الأُمّة الإسلاميّة وبين ظهرانيّها أنفع له ولأهله كما يظنّ البعض ، فتمنعه البيعة والالتزام بها ، والشرف والكرامة والأنفة ، والشجاعة والشهامة ، وغير ذلك من الصّفات الإنسانيّة الحميدة من التخلّف عن القتال مع الإمام ، فأراد عليهالسلام أن يكون واضحاً وصريحاً معهم منذ البداية وحتى هذه الليلة. وهذا الموقف الذي أكّد لهم فيه أنّه مقتول ، وأنّ حكّام بني أُميّة لا يطلبون إلاّ نفسه الزكيّة وشخصه الكريم ، وإذا ما وصلوا إليه ذُهلوا عن البقيّة الباقية ، وتركوهم ولم يبحثوا عنهم ، فيتفرّقون في الأمصار والبلدان إلى أن يأتيهم الأجل المحتوم.
إنّها العظمة ، الإيمان ، التقوى ، القيم الإنسانيّة العظيمة ، يريد عليهالسلام أن لا يكون مسؤولاً عن شهادة أحد من أصحابه دون رويّة ووضوح رؤية وبصيرة ، يريدهم جميعاً أن يكونوا مخلصين لله ، وليس لشخص الإمام الحسين عليهالسلام ، رغم أنّه يستحق أن يُفدى بأغلى وأثمن ما في الوجود ، أرادهم لله خالصين مخلصين.
قد يُقال : عند هجوم القوم عصر التاسع من شهر محرّم يَطلب الإمام منهم رخصة لليلة فقط ، لماذا؟ هل هي مهلة للتفكير أو التدبير ، أو تقدير المصير؟ أم أنّها مهلة للاستسلام للحاكم الظالم كما ظنَّ الكثير من جهّال العراق آنذاك؟ أم