«فإنّي لا أعلم أصحاباً أوفى ولا خيراً من أصحابي ، ولا أهل بيتٍ أبرّ ولا أوصل من أهل بيتي» (١).
وهؤلاء صاروا كذلك ؛ لأنّ الإمام عليهالسلام عاملهم تلك المعاملة ، وربّاهم بهذا الأسلوب الإسلامي الرفيع في التربية ، وساسهم بالأخلاق ، حيث الصراحة والصدق والوضوح في كلّ شيء حتّى في أدقّ وأرقّ الظروف السياسيّة والأمنيّة. ولو كان الإمام الحسين عليهالسلام لم يسر معهم على هذا المنوال ، وبهذه الروح النقيّة لكانوا خذلوه في ساحة المعركة على أرض كربلاء.
وأبو الأحرار الحسين بن علي عليهماالسلام أراد أن يكون أصحابه من خلّص الأصحاب ، فراح ينقّيهم ويختبرهم ويغربلهم غربلة ويهزهم في كلّ موقف هزَّ السياط ؛ ليعلم مَنْ يسير معه لله ، ومَنْ يسير طمعاً في الدنيا ، حتّى وصلوا إلى أرض كربلاء أتقياء أنقياء ، بعيدين عن الخنى كنجوم السماء.
ومواقف الإمام القائد الاختباريّة ابتدأت من المدينة وقبل أن يخرج منها ، وفي مكة وأثناء مغادرته إيّاها ، وفي كلّ منزل ترد إليه أخبار كان يلقيها على أصحابه ؛ لأنّه «ما دون هؤلاء سرّ» ، أي ليسوا من أهل الخيانة والغدر ؛ ولذا فواجبي أن لا أكتم عنهم شيئاً من المعلومات التي تردني مهما كانت مفجعة.
إنّهم جميعاً قادة وسادة كرام ، يستأهل كلّ واحد منهم أن يكون قائد جيش ، ومَنْ بلغ هذا المبلغ فإنّ الإمام عليهالسلام لا يخفي عليه شيئاً ؛ ليكون على بيّنة من أمره.
__________________
١ ـ إرشاد المفيد ص ٢٣١ ، اللهوف ص ٤١ ، تاريخ الطبري ٣ ص ٣١٥.