معاوية ، والاتهامات الشنيعة ـ والعياذ بالله ـ للإمام الحسن عليهالسلام بعد ذلك ، حتّى إنّ أحدهم طعنه في فخذه يريد قتله ، وآخر قال له : يا مذِّل المؤمنين ـ نستجير بالله من ذلك كلّه ـ ، إلى أن وصلت سفن النجاة الإيمانيّة إلى شواطئ الإمام الحسين عليهالسلام ، ورست سفينة الإمامة عنده ، ولاذ به المؤمنون ، والتجأ إليه المخلصون من شيعته ومحبي أبيه الأمير عليهالسلام ، فنهض على اسم الله وبأمره خير نهوض ، وقارع الفساد في الأُمّة بيد من حديد ، وصارع معاوية الجبّار العنيد بسياسة حكيمة ورأي سديد.
إلاّ إنّه أعلن النهضة المباركة عندما نزا على عرش الخلافة والإمارة ذاك الطاغية يزيد ، وأراد تشريعاً لسطانه ، وتثبيتاً لملكه بفتوى (بيعة) من الإمام الحسين عليهالسلام ، وأرسل بالتهديد والوعيد وحرّ الحديد إن لم يفعل الإمام عليهالسلام ذلك ويبايع ، إلاّ إنّ أبيّ الضيم قالها مدوّية منذ اليوم الأوّل : «مِثلي لا يُبايع مِثلَه». أي أنّ الذي يكون في مقامي ، مقام إمامة الأُمّة الشرعيّة والحقيقيّة ، لا يمكن أن يُعطي شرعيّة الحكم والقيادة لشخص مثل يزيد ، فاسقٍ فاجرٍ ، شاربٍ للخمر ، قاتلٍ للنفس المحرّمة ؛ لأنّ مثل هذا لا شرعيّة لوجوده أصلاً ، فيجب أن تُقام عليه الحدود الإسلاميّة كلّها ، أو العقوبات القانونيّة المطابقة لأعماله الإجراميّة.
ومنذ البداية ، وقبلها من حين الولادة ، والإمام الحسين عليهالسلام يمتلك الرؤية الواضحة ، والفكر الناضج الذي جعله يتّخذ هذا القرار الحاسم والمصيري ، لا سيما وأنّه يعلم علم اليقين أنّه مُطارد ومقتول ظلماً وعدواناً حتّى لو اختبأ في قنن الجبال وأوكار الصقور ، فإنّهم لن يدعوه حتّى يستخرجوه ويقتلوه.