والملفت أنّ القائد العسكري أو السياسي يخفي على أتباعه وأقرب المقرّبين إليه الكثير من التفاصيل الحساسة حتّى لا يتأثّر مَنْ حوله معنويّاً ونفسيّاً ، فتخور عزائمهم وتضعف قواهم ، وتتأثّر الحركة أو النهضة الثوريّة وتتعثّر من بدايتها.
إلاّ إنّ القيادة الإلهيّة والرساليّة للإمام الحسين عليهالسلام تملك الشجاعة الفائقة لكي تخبر عن أدقّ التفاصيل لكافة العسكريين ، وليس للمقرّبين من القائد فقط ؛ لأنّ قيادة السماء همّها وهدفها الأوّل الإنسان المخلص ، والعبد التقي الذي يقدم على العمل بدافع ديني يقيني ، لا من منطلق مصالح دنيويّة آنيّة يطمع بها ، أو منصب قيادي تشريفي يطمح إليه ، فهؤلاء يعملون من أجل المصلحة أو الكرسي ، وليس لله والقربى من ساحاته المقدّسة.
إنّ الحسين بن علي عليهماالسلام القائد الناهض في وجه الفساد الأموي ، يعلم منذ البداية أنّ كرامته من الله الشهادة ، ولم تغب عن باله يوماً كلمة جدّه رسول الله صلىاللهعليهوآله : «إنَّ لك في الجنّة درجات لن تنالها إلاّ بالشهادة» (١).
ولذا قال لأصحابه وأهل بيته سوف نُقتل جميعاً على أرض كربلاء بوحشيّة ودون رحمة أو رأفة ؛ وإنّما أراد بذلك أن يكونوا على بيِّنة من أمرهم منذ البداية : «مَنْ كان باذلاً فينا مهجته ، وموطِّناً على لقاء الله نفسه فليرحل معنا ؛ فإنّني راحلٌ مصبحاً إن شاء الله تعالى» (٢).
فالشهادة هي الهدف ، وليس النصر والغلبة واستلام السلطة السياسيّة ،
__________________
١ ـ موسوعة كلمات الإمام الحسين عليهالسلام ص ٢٨٧.
٢ ـ مثير الأحزان ص ٤١ ، اللهوف في قتلى الطفوف ص ٢٦.