الزّمخشري من غير توقّف ، و «سواء» : خبر «تكونون» وهو في الأصل مصدر واقع موقع اسم الفاعل ، بمعنى مستوين ؛ ولذلك وحّد ، نحو : «رجال عدل».
لمّا استعظم قولهم : (أَتُرِيدُونَ أَنْ تَهْدُوا مَنْ أَضَلَّ اللهُ) على سبيل الإنكار عقب ذكر الاستبعاد (١) ، بأن قال : إنّهم بلغوا في الكفر إلى أنّهم (٢) يتمنّون أن تصيروا أيّها المسلمون كفّارا ، فلما بلغوا في تعصّبهم (٣) في الكفر إلى هذا الحدّ ، فكيف تطمعون في إيمانهم.
ثم قال : (فَلا تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ أَوْلِياءَ حَتَّى يُهاجِرُوا فِي سَبِيلِ اللهِ) معكم.
قال عكرمة : هي هجرة أخرى (٤) والهجرة على ثلاثة أوجه :
هجرة المؤمنين في أوّل الإسلام ، وهي قوله : (لِلْفُقَراءِ الْمُهاجِرِينَ) [الحشر : ٨] وقوله : (وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهاجِراً إِلَى اللهِ وَرَسُولِهِ) [النساء : ١٠٠] ونحوهما.
وهجرة المؤمنين (٥) وهي الخروج في سبيل الله مع رسول الله صابرا محتسبا ، كما حكى ههنا ، منع من موالاتهم حتّى يهاجروا في سبيل الله.
وهجرة سائر المؤمنين : وهي ما قال النّبيّ صلىاللهعليهوسلم : «المهاجر من هجر ما نهى الله عنه» (٦).
قال أبو بكر الرّازي (٧) : التقدير : حتى يسلموا ويهاجروا ؛ لأن الهجرة في سبيل الله لا تكون إلا بعد الإسلام ، فدلّت الآية على إيجاب الهجرة بعد الإسلام ، وأنّهم وإن أسلموا لم يكن بيننا وبينهم موالاة إلا بعد الهجرة ؛ لقوله ـ [تعالى](٨) ـ : (ما لَكُمْ مِنْ وَلايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ حَتَّى يُهاجِرُوا) [الأنفال : ٧٢] وقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «أنا بريء من كل مسلم أقام بين أظهر المشركين» وهذا التّكليف إنّما كان لازما حيث كانت الهجرة واجبة مفروضة ، فلمّا فتحت مكّة ، نسخ ذلك ، قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم يوم فتح مكة : «لا هجرة [واجبة مفروضة](٩) بعد الفتح ، ولكن جهاد ونيّة» (١٠).
وروي عن الحسن : أن حكم الآية ثابت [في كلّ](١١) من أقام في دار الحرب (١٢).
__________________
(١) في أ : الابتعاد.
(٢) في أ : بأنهم.
(٣) في أ : بغضهم.
(٤) في أ : الحزي.
(٥) في أ : المنافقين.
(٦) تقدم.
(٧) ينظر : تفسير الرازي ١٠ / ١٧٦.
(٨) سقط في أ.
(٩) سقط في ب.
(١٠) أخرجه البخاري ٦ / ٤٥ في الجهاد : باب وجوب النفير (٢٨٢٥) ، ومسلم ٢ / ٩٨٦ كتاب الحج باب تحريم مكة (٤٤٥ ـ ١٣٥٣).
(١١) سقط في ب.
(١٢) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٩ / ٢٥) عن الحسن.