والثّاني : أن الرّجل [في الجهاد](١) كان يلقاه الرّجل في دار الحرب أو ما يقاربها ، فيسّلم عليه فقد لا يلتفت إلى سلامه [ويقتله](٢) ، وربّما ظهر أنّه كان مسلما ، فأمرهم بأن يسلّم عليهم أو يكرمهم ، فإنهم يقابلونه بمثل ذلك الإكرام أو أزيد ، فإن كان كافرا ، لم يضرّ المسلم مقابلة إكرام ذلك الكافر بنوع من الإكرام ، وإن كان مسلما فقتله ، ففيه أعظم المضارّ والمفاسد ، ويقال : التحية [في الأصل](٣) : البقاء والملك.
قال القرطبي (٤) : قال عبد الله بن صالح العجليّ : سألت الكسائيّ عن قوله : «التحيات لله» ما معناها؟ فقال : التّحيّات مثل البركات ، قلت : ما معنى «البركات»؟ فقال : ما سمعت (٥) فيها شيئا ، وسألت عنها محمّد بن الحسن [فقال](٦) : هو شيء تعبّد الله به عباده ، فقدمت الكوفة فلقيت عبد الله بن إدريس ، فقلت : إني سألت الكسائيّ ، ومحمّد عن قوله : «التحيات لله» فأجابني بكذا وكذا ، فقال عبد الله بن إدريس : إنه لا علم لهما بالشّعر وبهذه الأشياء ؛ التّحيّة : الملك وأنشده : [الوافر]
١٨٥١ ـ أؤمّ بها أبا قابوس حتى |
|
أنيخ على تحيّته بجندي (٧) |
وقال آخر : [مجزوء الكامل]
١٨٥٢ ـ ولكلّ ما نال الفتى |
|
قد نلته إلّا التّحيّة (٨) |
ويقال : التّحيّة : البقاء والملك ، ومنه : «التحيات لله» ، ثم استعملت في السلام مجازا ، ووزنها : تفعلة من حيّيت ، وكان في الأصل : تحيية ؛ مثل : توصية وتسمية ، والعرب تؤثر التّفعلة على التّفعيل [في](٩) ذوات الأربع ؛ نحو قوله : (وَتَصْلِيَةُ جَحِيمٍ) [الواقعة : ٩٤].
والأصل : تحيية فأدغمت ، وهذا الإدغام واجب خلافا للمازني ، وأصل الأصل تحييّ ؛ لأنه مصدر حيّا ، وحيّا : فعّل ، وفعّل مصدره على التّفعيل ، إلا أن يكون معتلّ اللام ؛ نحو : زكّى وغطّى ، فإنّه تحذف إحدى الياءين ويعوّض منها تاء التّأنيث ؛ فيقال : تزكيه وتغطية ، إلا ما شذّ من قوله : [الرجز]
__________________
(١) سقط في أ.
(٢) سقط في أ.
(٣) سقط في أ.
(٤) ينظر : تفسير القرطبي ٥ / ١٩١.
(٥) في ب : عرفت.
(٦) سقط في أ.
(٧) البيت لعمرو بن معديكرب. ينظر تفسير القرطبي ٥ / ١٩١ والبحر المحيط ٣ / ٣١٦ ، والدر المصون ٢ / ٤٠٥ ، وإصلاح المنطق ٣١٦.
(٨) البيت لزهير الكلبي. ينظر تفسير القرطبي ٥ / ١٩٢ والتصريح ١ / ٣٢٦ واللسان (جبا) والدر المصون ٢ / ٤٠٥.
(٩) سقط في ب.