المعاصي المغايرة للكفر ، وإذا ثبت ذلك ، فالآية دالّة على أن الكفّار مخاطبون بفروع الإسلام (١).
وقيل : هي صلة لموصول آخر ، فيكون طائفتين ، وقيل : إنها في محلّ نصب على الحال من (كَفَرُوا ،) و «قد» مرادة (٢) ، أي : وقد عصوا.
وقرأ يحيى وأبو السّمال (٣) : «وعصوا الرسول» بكسر الواو على الأصل.
قوله : (لَوْ تُسَوَّى) إن قيل إن «لو» على بابها كما هو قول الجمهور ، فمفعول (يَوَدُّ) محذوف ، أي : يودّ الّذين كفروا تسوية الأرض بهم ، ويدل عليه (لَوْ تُسَوَّى بِهِمُ الْأَرْضُ ،) وجوابها حينئذ محذوف ، أي : لسرّوا بذلك (٤).
وإن قيل : إنها مصدريّة ، كانت هي وما بعدها في محلّ مفعول (يَوَدُّ) ، ولا جواب
__________________
(١) الشريعة لها أصول ولها فروع ، فأصولها : الإيمان بالله تعالى ، وملائكته ، وكتبه ، ورسله ، واليوم الآخر ، والقضاء كله خيره وشره ، وفروعها : التكاليف التي شرعها الله لعباده ؛ من صلاة وصوم ، وحج ، وزكاة ، وبيع ، ورهن ، وإجارة ، وحدود ، وقصاص ، وكفارات ، وقد اتفق العلماء على أن الكفار مخاطبون بأصول الشريعة ، وأن تركهم لهذه الأصول يوجب تخليدهم في النار. واتفقوا كذلك على أنهم مخاطبون بالمعاملات ؛ كالبيع ، والشراء ، والرهن ، والإجارة ؛ وبالعقوبات ، كالحدود ، والقصاص ، وقالوا في توجيه ذلك : إن المعاملات بها الحياة الدنيا ، فالكفار بها أنسب ؛ لأنهم آثروا الحياة الدنيا على الآخرة ، وأما العقوبات : فقد قصد بها الزجر عن ارتكاب أسبابها ، والكفار أحق بالزجر وأولى به من المؤمنين.
واختلفوا في مخاطبتهم بما عدا ذلك من فروع الشريعة ، كالصلاة ، والصوم ، والحج ، والزكاة من كل ما يعتبر الإيمان شرطا في صحته على أقوال ثلاثة :
القول الأول : أنهم مخاطبون بفروع الشريعة أداء واعتقادا ، وهو مختار جمهور العلماء ومنهم : الأئمة الثلاثة مالك ، والشافعي ، وأحمد ، وهو المعروف من علماء الحنفية العراقيين.
القول الثاني : ليسوا مخاطبين بها لا أداء ولا اعتقادا ، وهو لعلماء الحنفية السمرقنديين ؛ كالسرخسي ، وفخر الإسلام ، واختار هذا القول أبو حامد الإسفرايني من الشافعية.
القول الثالث : هم مخاطبون بالنواهي وليسوا مخاطبين بالأوامر ، وقد حكاه البيضاوي دون أن ينسبه إلى قائله.
ينظر : البحر المحيط للزركشي ٣ / ٣٦ ، التمهيد للإسنوي ص ٣٦٤ ، ونهاية السول له ١ / ٣٦٩ ، زوائد الأصول ص ١٧٩ ، منهاج العقول للبدخشي ١ / ٢٠٣ ، التحصيل من المحصول للأرموي ١ / ٣٢١ المنخول للغزالي ص / ٣١ ، الإبهاج لابن السبكي ١ / ١٧٧ ، الآيات البينات لابن قاسم العبادي ١ / ٢٨٥ ، تخريج الفروع على الأصول للزنجاني ص / ٩٨ ، كشف الأسرار للنسفي ١ / ١٣٧ ، شرح التلويح على التوضيح لسعد الدين مسعود بن عمر التفتازاني ١ / ٢١٣ ، نسمات الأسحار لابن عابدين ص / ٦٠ ، ميزان الأصول للسمرقندي ١ / ٣٠٤ ، البرهان في أصول الفقه ١ / ١٠٧ ، أصول الفقه لمحمد أبو النور زهير ١ / ١٨٤.
(٢) في أ : يراد به.
(٣) ينظر : المحرر الوجيز ٢ / ٥٦ ، والبحر المحيط ٣ / ٢٦٣ ، والدر المصون ٢ / ٣٦٦.
(٤) في أ : لفروا.