قال القرطبي (١) : ذكر بعض العلماء أن من تطهّر [تبرّدا](٢) أو صام [حميّة](٣) لمعدته ، ويرى مع ذلك التّقرّب لم يجزه ؛ لأنه مزج [نية](٤) التّقرّب بنيّة دنيويّة ، ولذا إذا أحسّ الإمام بداخل وهو راكع لم ينتظره ، لأنه يخرج ذكر [الله](٥) بانتظاره عن كونه خالصا ـ لله ـ تعالى.
ثم قال (وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً) وتقدم الكلام على نظير هذا في البقرة ، واتّفقوا على أن ههنا محذوفا ، والتّقدير : «وأحسنوا بالوالدين إحسانا» ؛ كقوله : (فَضَرْبَ الرِّقابِ) أي : فاضربوها ، وقرأ ابن أبي عبلة : «إحسان» بالرّفع على أنّه مبتدأ ، وخبره الجارّ [والمجرور](٦) قبله.
والمراد بهذه الجملة : الأمر بالإحسان وإن كانت خبرية ؛ كقوله ـ تعالى ـ : (فَصَبْرٌ جَمِيلٌ) [يوسف : ١٨].
قوله : (وَبِذِي الْقُرْبى) فأعاد الباء ، وذلك لأنها في حق هذه الأمّة ، فالاعتناء بها أكثر ، وإعادة الباء تدل على زيادة تأكيد فناسب ذلك هنا ، بخلاف آية البقرة ، فإنّها في حقّ بني إسرائيل ، والمراد الأمر بصلة الرّحم ، كما ذكر في أول السّورة بقوله : (وَالْأَرْحامَ) [النساء : ١].
واعلم أن الوالدين من القرابة أيضا ، إلا أنّهما لمّا تخصّصت قرابتهما بكونهما أقرب القرابات ، لا جرم (٧) خصّهما بالذّكر.
(وَالْيَتامى) فاليتيم مخصوص بنوعين من العجز :
أحدهما : الصّغر.
والثاني : عدم المنفق ، ومن هذا حاله كان في غاية العجز واستحقاق الرحمة.
قوله (وَالْمَساكِينِ) فالمسكين وإن كان عديم المال ، إلا أنّه لكبره يمكنه أن يعرض حال نفسه على الغير ؛ فيجتلب به نفعا أو يدفع به ضررا ، وأما اليتيم ، فلا قدرة له ؛ فلهذا المعنى قدّم الله اليتيم في الذّكر على المسكين ، والإحسان إلى المسكين إما بالإجمال (٨) إليه ، وإمّا بالرّدّ الجميل ؛ لقوله : (وَأَمَّا السَّائِلَ فَلا تَنْهَرْ) [الضحى : ١٠].
وقوله : (وَالْجارِ ذِي الْقُرْبى) الجمهور على خفض الجارّ ، والمراد به القريب النّسيب ، وبالجار الجنب : البعيد النّسيب.
__________________
(١) ينظر : تفسير القرطبي ٥ / ١١٨.
(٢) سقط في أ.
(٣) سقط في أ.
(٤) سقط في ب.
(٥) سقط في أ.
(٦) سقط في ب.
(٧) في أ : لا من.
(٨) في ب : بالإيصال.