وقال أبو حنيفة وأحمد : تحرم. حجّة الشّافعيّ أنّها ليست بنتا فلا تحرم ، وإنما قلنا : ليست بنتا لوجوه :
أحدها : أنّ أبا حنيفة ـ رضي الله عنه ـ إمّا أن يثبت كونها بنتا له بناء على الحقيقة ، وهي كونها مخلوقة من مائه أو [بناء](١) على حكم الشّرع بثبوت هذا النّسب ، والأوّل باطل على مذهبه طردا أو عكسا ، وأمّا الطرد فهو أنّه إذا اشترى جارية بكرا ، وافتضها وحبسها في داره ، وأتت بولد فهذا الولد معلوم أنّه مخلوق من مائه ، مع أن أبا حنيفة قال : لا يثبت ولدها إلا عند الاستلحاق ، ولو كان النّسب هو كون الولد مخلوقا من مائه ، لما توقّف [أبو حنيفة في](٢) ثبوت هذا النسب على الاستلحاق.
وأمّا العكس فهو أنّ المشرقي إذا تزوّج بالمغربية ، وحصل هناك ولد فأبو حنيفة أثبت النسب ههنا مع القطع بأنّه غير مخلوق من مائه ، فثبت أنّ القول بجعله
__________________
ـ أحكام الشرع من التوارث وغيره ؛ وهذا لا يدل على نفي السبب الحقيقي في غير الفراش ، يؤيد ذلك : أنه يحرم على الرجل أن يتزوج بنته من الرضاعة ، ومع ذلك فهي ليست من الفراش في شيء.
وأما الجمهور فقد استدلوا على حرمة نكاح البنت من الزنا بالكتاب والمعقول.
أما الكتاب ؛ فقوله تعالى : (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهاتُكُمْ وَبَناتُكُمْ) الآية ، ووجه الدلالة من هذه الآية الكريمة : أنها نصت على تحريم كل بنت مضافة إلى المخاطبين ، ومما لا شك فيه أن بنت الزنا بنته ؛ لأنها أنثى مخلوقة من مائه ، وهذه حقيقة لا تختلف بالحل والحرمة ؛ ومما يدل على ذلك قوله صلىاللهعليهوسلم في شأن امرأة هلال بن أمية «انظروه» يعني : ولدها «فإن جاءت به على صفة كذا فهو لشريك ابن سحماء» يعني : الزاني.
وأما المعقول : فقد قالوا : إن هذه البنت مخلوقة من مائه ، فهي بضعة منه ، فلا تحل له كما لا تحل له ابنته من النكاح.
والذي يتبين لنا بعد بيان الأدلة ومناقشة أدلة الشافعية : أن مذهب الجمهور هو المذهب الراجح الذي يجب المصير إليه ، نزولا على موجب الأدلة ، لا سيما أننا نجد الشريعة الإسلامية تحرّم البنت من الرضاع ، وذلك تحاشيا عن أن يستفرش الإنسان نفسه ويستمتع بجزئه ، والمعنى الذي أوجب الشارع به تحريم البنت من الرضاع موجود في البنت من الزنا ، بل الظاهر أن البنت من الزنا أولى ، بالتحريم من البنت في الرضاع ؛ وذلك لأن حقيقة الجزئية ثابتة فيها قطعا ؛ لأنها مخلوقة من مائه ـ أما البنت من الرضاع : فإنها حرمت لشبهة الجزئية ؛ فإذا أثبت التحريم مع شبهة الجزئية ، فثبوته معها لجزئية المحققة أولى خصوصا أن الشافعية قد وافقوا غيرهم في القول بأنه يحرم على المرأة أن تتزوّج بولدها من الزنا ؛ وعللوا ذلك بأنه بعضها ، وانفصل منها إنسانا ، بخلاف البنت من الزنا ؛ لأنها انفصلت منه منيا ، فإن تعليلهم هذا لا يفيدهم سوى أن البعضية في ابن المرأة من الزنا أظهر منها في البنت من الزنا ، ولكنه لا يفيد نفي البعضية عن البنت من الزنا ، فقد اعترفوا بأنها مخلوقة من مائه ، فإنكار وجود الجزئية في مسألة دون مسألة لا يصح.
ينظر : حلية العلماء ٦ / ٣٧٩ ، قليوبي على المحلى ٣ / ٢٤١ ، حواشي التحفة ٧ / ٢٩٩ ، نهاية المحتاج ٦ / ٢٦٦ ، طريقة الخلاف للسمرقندي ص ٨٧ ، بداية المجتهد ٢ / ٢٨ ، حاشية الجمل على المنهج ٤ / ٧٧ ، الشرقاوي على التحرير ٢ / ٢١٠.
(١) سقط في أ.
(٢) سقط في أ.