الجدّات ، فتكون الآية نصا في تحريم الأمّ الأصليّة وفي الجدّات ، وأمّا إن كان لفظ «الأمّ» مشتركا في الأم الأصليّة وفي الجدّات فهذا تفريع على أنّ اللّفظ المشترك بين أمرين هل يجوز استعماله فيهما معا أم لا؟ فمن جوّزه حمل اللّفظ هنا على الكلّ ، [وحينئذ يكون تحريم الجدات منصوصا عليه ، ومنهم](١) من لم يجوزه ، والقائلون بذلك لهم طريقان في هذا الوضع :
أحدهما : أنّ لفظ الأمّ إن أريد به ههنا الأم الأصليّة فتحريم نكاحها هنا مستفاد بالنصّ ، وأمّا تحريم نكاح الجدّات فمستفاد من الإجماع (٢).
__________________
(١) سقط في أ.
(٢) هو لغة يطلق بمعنيين : أحدهما : العزم على الشيء والإمضاء ، ومنه قوله تعالى : فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ [سورة يونس : ٧١] أي : اعزموا ، وقوله عليهالسلام : لا صيام لمن لم يجمع الصيام من الليل ، ونقض ابن العارض المعتزلي هذا بأن إجماع الأمة يتعدى ب (على) ، والإجماع بمعنى العزيمة وقطع الرؤية لا يتعدى ب (على).
وحكى ابن فارس في «المقاييس» أجمعت على الأمر ، إجماعا وأجمعته ، نعم ، تعديته بنفسه أفصح.
والثاني : الاتفاق ، ومنه أجمع القوم : إذا صاروا ذوي جمع. قال الفارسي : كما يقال : ألبن وأتمر ، إذا صار ذا لبن وتمر.
وحكى عبد الوهاب في «الملخص» عن قوم : منع كونه بمعنى الإجماع كما ظنه ظانون لتغايرهما ؛ إذ يصح من الواحد أن يقول : أجمعت رأيي على كذا ، أي عزمت عليه ، ولا يصح الإجماع إلا من اثنين ، والصحيح هو الأول. ثم قال الغزالي : هو مشترك بينهما. وقال القاضي : العزم يرجع إلى الاتفاق ؛ لأن من اتفق على شيء فقد عزم عليه. وقال ابن برهان وابن السّمعاني : الأول أشبه باللغة ، والثاني أشبه بالشرع. قالا : وتظهر فائدتهما في أن الإجماع من الواحد هل يصح؟ فعلى المعنى الأول ـ لا يصح إلا من جماعة ، وعلى المعنى الثاني ـ يصح الإجماع من الواحد.
وأما في الاصطلاح : فهو اتفاق مجتهدي أمة محمد ـ صلىاللهعليهوسلم ـ بعد وفاته في حادثة على أمر من الأمور في عصر من الأعصار.
فخرج اتفاق العوام ، فلا عبرة بوفاقهم ولا خلافهم ، ويخرج أيضا ، اتفاق بعض المجتهدين. وبالإضافة إلى «أمة محمد» خرج اتفاق الأمم السابقة. وإن قيل : بأنه حجة على رأي ، لكن الكلام في الإجماع الذي هو حجة.
وقولنا : «بعد وفاته» قيد لا بد منه على رأيهم ، فإن الإجماع لا ينعقد في زمانه ـ عليهالسلام ـ كما سنذكره.
وخرج بالحادثة انقعاد الإجماع على الحكم الثابت بالنص والعمل به ، وقولنا : «على أمر من الأمور» يتناول الشرعيات والعقليات والعرفيات واللغويات.
وقولنا : «في عصر من الأعصار» ، ليرفع وهم من يتوهم أن المراد بالمجتهدين من يوجد إلى يوم القيامة. وهذا التوهم باطل : فإنه يؤدي إلى عدم تصور الإجماع ، والمراد بالعصر هنا : من كان من أهل الاجتهاد في الوقت الذي حدثت فيه المسألة ، وظهر الكلام فيها ـ فهو من أهل ذلك العصر ، ومن بلغ هذا بعد حدوثها فليس من أهل ذلك العصر.
هكذا ذكره الإمام أبو محمد القاسم الزجاج في كتابه : «البيان عن أصول الفقه».
ينظر : البرهان لإمام الحرمين ١ / ٦٧٠ ، البحر المحيط للزركشي ٤ / ٤٣٥ ، الإحكام في أصول الأحكام ـ