والبنات ، والتحريم لا يمكن إضافته إلى الأعيان ، وإنّما يضاف إلى الأفعال ، وذلك الفعل غير مذكور في الآية فليس إضافة هذا التحريم إلى بعض الأفعال التي لا يمكن إيقاعها في ذوات الأمهات والبنات أولى من بعض ، فصارت الآية مجملة على هذا الوجه.
قال ابن الخطيب (١) : والجواب من وجهين :
الأول : أنّ تقديم قوله (وَلا تَنْكِحُوا ما نَكَحَ آباؤُكُمْ) يدل على أنّ المراد من قوله : (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهاتُكُمْ) تحريم (٢) نكاحهن.
الثاني : أنّ من المعلوم بالضّرورة من دين محمّد صلىاللهعليهوسلم أنّ المراد منه تحريم نكاحهنّ ، والأصل فيه أن الحرمة والإباحة إذا أضيفتا إلى الأعيان فالمراد تحريم الفعل المطلوب منها في العرف فإذا قيل (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهاتُكُمْ وَبَناتُكُمْ) فهم كل أحد أنّ المراد تحريم نكاحهن ، ولما قال عليهالسلام «لا يحل دم امرىء مسلم إلّا بإحدى ثلاث» (٣) فهم كل أحد أنّ المراد لا يحلّ إراقة دمه وإذا كان ذلك معلوما بالضّرورة ، كان إلقاء الشّبهات فيها جاريا مجرى القدح في البديهيّات وشبه السّفسطائيّة.
بلى عندي فيه بحث من وجوه أخرى (٤) :
أحدها : أن قوله : (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهاتُكُمْ) مذكور على ما لم يسمّ فاعله ، فليس فيه تصريح بأنّ فاعل هذا التحريم هو الله تعالى ، وما لم يثبت ذلك لم تفد الآية شيئا آخر ، ولا سبيل إليه إلا بإجماع ، فهذه الآية وحدها لا تفيد شيئا ، بل لا بد معها من الإجماع على هذه المقدمة.
وثانيها : أنّ قوله تعالى (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ) [ليس](٥) نصا في ثبوت التحريم على سبيل التأبيد فإنّ القدر المذكور في الآية يمكن تقسيمه إلى المؤقّت ، فإنّه يقال تارة (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهاتُكُمْ) مؤقتا (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهاتُكُمْ) (٦) مؤبدا ، وإذا كان ذلك صالحا للتّقسيم لم يكن نصا في التّأبيد فإذن لا يستفاد التأبيد إلّا من دليل منفصل.
وثالثها : أنّ قوله : (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهاتُكُمْ وَبَناتُكُمْ) إخبار عن ثبوت هذا التحريم في الماضي ، وظاهر اللفظ غير متناول للحاضر والمستقبل ، فلا يعرف ذلك إلّا بدليل منفصل.
ورابعها : أنّ هذه ظاهر قوله (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهاتُكُمْ) (٧) يقتضي أنّه قد حرّم على
__________________
(١) ينظر : تفسير الرازي ١٠ / ٢١.
(٢) في ب : المراد تحريم.
(٣) أخرجه البخاري (١٢ / ٢٠٩) كتاب الديات : باب قول الله تعالى : أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ حديث (٦٨٧٨) ومسلم (٣ / ١٣٠٢) كتاب القسامة : باب ما يباح به دم المسلم.
(٤) في ب : آخر.
(٥) سقط في أ.
(٦) سقط في ب.
(٧) سقط في ب.