وقال ابن عطية (١) تقديره : لو تركوا لخافوا ، ويجوز حذف اللام من جواب «لو» ووجه التمسك بهذه العبارة أنّه جعل اللام مقدّرة في جوابها ، ولو كانت «لو» بمعنى «إن» الشّرطيّة لما جاز ذلك ، وقد صرّح غيرهما بذلك فقال : (لَوْ تَرَكُوا) «لو» يمتنع بها الشّيء لامتناع غيره ، و «خافوا» جواب «لو».
وإلى الاحتمال الثّاني ذهب أبو البقاء (٢) وابن مالك ، قال ابن مالك : «لو» هنا شرطية بمعنى «إن» فتقلب الماضي إلى معنى الاستقبال ، والتّقدير : وليخش الذين إن تركوا ولو وقع بعد «لو» هذه مضارع كان مستقبلا كما يكون بعد «إن» وأنشد : [الكامل]
١١٧٦١ ـ لا يلفك الرّاجوك إلّا مظهرا |
|
خلق الكرام ولو تكون عديما (٣) |
أي : وإن تكن عديما ، ومثل هذا البيت قول الآخر : [البسيط]
١٧٦٢ ـ قوم إذا حاربوا شدّوا مآزرهم |
|
دون النّساء ولو باتت بأطهار (٤) |
والّذي ينبغي أن تكون على بابها من كونها تعليقا في الماضي ، وإنّما حمل ابن مالك ، وأبا البقاء على جعلها بمعنى «إن» توهّم أنّه لمّا أمر بالخشية ـ والأمر مستقبل ومتعلّق الأمر موصول لم يصحّ أن تكون الصّلة ماضية على تقدير دلالته على العدم (٥) الذي ينافي (٦) امتثال الأمر ، وحسّن مكان «لو» لفظ «إن» ولأجل هذا التوهّم لم يدخل الزمخشري «لو» على فعل مستقبل ، بل أتى بفعل ماض مسند للموصول حالة الأمر فقال : «وليخش الذين صفتهم وحالهم أنهم لو شارفوا أن يتركوا».
قال أبو حيّان : «وهو الّذي توهّموه لا يلزم ، إلّا إن كانت الصّلة (٧) ماضية في المعنى واقعة بالفعل ، إذ معنى (لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ) أي : ماتوا فتركوا من خلفهم ، فلو كان كذلك للزم التّأويل في «لو» أن تكون بمعنى «إن» إذ لا يجامع الأمر بإيقاع فعل من مات بالفعل ، فإذا كان ماضيا على تقدير فيصحّ أن يقع صلة وأن يكون العامل في الموصول الفعل المستقبل (٨) نحو قولك : ليزرنا الذي لو مات أمس لبكيناه». انتهى.
وأمّا البيتان المتقدّمان فلا يلزم من صحّة جعلها فيهما بمعنى «إن» أن تكون في الآية كذلك ؛ لأنّا في البيتين نضطر إلى ذلك ، أمّا البيت الأوّل فلأن جواب «لو» محذوف
__________________
(١) ينظر : المحرر الوجيز ٤ / ٢٩.
(٢) ينظر : الإملاء ١ / ١٦٨.
(٣) تقدم برقم ٢٧١.
(٤) البيت للأخطل ـ ينظر ديوانه (١ / ١٧٢) وشواهد المغني (٦٤٦) والمقرب ١ / ٩ والنوادر (١٥٠) والحماسة الشجرية ١ / ٣٨١ والدر المصون ٢ / ٣١٦ والبحر المحيط ٣ / ١٨٦.
(٥) في أ : القدم.
(٦) في أ : يتآتى.
(٧) في أ : القيلة.
(٨) في ب : المستقل.