أوجه ، وذلك : لأنه لا يخلو إما أن يجعل الفعل الأول مسندا إلى ضمير غائب ، أو إلى الموصول ، فإن جعلناه مسندا إلى ضمير غائب ـ الرسول صلىاللهعليهوسلم أو غيره ـ ففي المسألة وجهان :
أحدهما : أنّ «الّذين» مفعول أوّل ، والثاني محذوف ؛ لدلالة المفعول الثاني للفعل الذي بعده عليه ، وهو «بمفازة» والتقدير : لا يحسبن الرسول ـ أو حاسب ـ الذين يفرحون بمفازة ، فأسند الفعل الثاني لضمير «الّذين» ومفعولاه الضمير المنصوب ، و «بمفازة».
الثاني : أن «الّذين» مفعول أول ـ أيضا ـ ومفعوله الثاني هو «بمفازة» الملفوظ به بعد الفعل الثاني ، ومفعول الفعل الثاني محذوف ؛ لدلالة مفعول الأول عليه ، والتقدير : لا يحسبن الرسول الذين يفرحون بمفازة فلا يحسبنهم كذلك ، والعمل كما تقدم ، وهذا بعيد جدا ، للفصل بين المفعول الثاني للفعل الأول بكلام طويل من غير حاجة ، والفاء ـ على هذين الوجهين ـ عاطفة ؛ والسببية فيها ظاهرة.
وإن جعلناه مسندا إلى الموصول ففيه ثلاثة أوجه :
أولها : أن الفعل الأول حذف مفعولاه ، اختصارا ؛ لدلالة مفعولي الفعل الثاني عليهما ، تقديره : ولا يحسبن الفارحون أنفسهم فائزين فلا يحسبنهم فائزين.
كقول الآخر : [الطويل]
١٧٠٨ ـ بأيّ كتاب ، أمّ بأيّة سنّة |
|
ترى حبّهم عارا عليّ وتحسب (١) |
أي : وتحسب حبهم عارا ، فحذف مفعولي الفعل الثاني ؛ لدلالة مفعولي الأول عليهما ، وهو عكس الآية الكريمة ، حيث حذف فيها من الفعل الأول.
ثانيها : أن الفعل الأول لم يحتج إلى مفعولين هنا.
قال أبو علي «تحسبنّ» لم يقع على شيء و «الّذين» رفع به ، وقد تجيء هذه الأفعال لغوا ، لا في حكم الجمل المفيدة ، نحو قوله : [الطويل]
١٧٠٩ ـ وما خلت أبقى بيننا من مودّة |
|
عراض المذاكي المسنفات القلائصا (٢) |
المذاكي : الخيل التي قد أتى عليها بعد قروحها سنة أو سنتان ، الواحد : مذك مثل المخلف من الإبل وفي المثل : جري المذكيات غلاب. والمسنفات : اسم مفعول ، يقال : سنفت البعير أسنفه ، سنفا ، إذا كففته بزمامه وأنت راكبه وأسنف البعير لغة في سنفه وأسنف البعير بنفسه إذا رفع رأسه ، يتعدى ولا يتعدى وكانت العرب تركب الإبل ،
__________________
(١) تقدم برقم ٧٨٩.
(٢) البيت للأعشى ـ ينظر ديوانه (١٠٠) والبحر ٣ / ١٤٣ واللسان (خيل) والمعاني الكبير ١ / ٩٩ ، و ٢ / ٨٩٩ والدر المصون ٢ / ٢٨٠.