وممّا يؤكّد حضوره الاجتماعي في المجتمع الإسلامي النامي في ذلك العصر ، أنّه كانت له حلقة خاصّة غاصّة بالفضلاء وطلاب العلم والباحثين عن الحقيقة في مسجد جدّه رسول الله صلىاللهعليهوآله ، وقد سأل رجل من قريش معاوية بن أبي سفيان (العدو اللدود للإمام عليهالسلام) أين يجد الحسين عليهالسلام؟
فقاله له معاوية : إذا دخلت مسجد رسول الله فرأيت حلقة فيها قوم كأنّ على رؤوسهم الطير فتلك حلقة أبي عبد الله عليهالسلام (١).
كان مجلسه عليهالسلام مجلس علم ووقار ، قد ازدان بأهل العلم من الصحابة ، وهم يأخذون عنه ما يلقيه عليهم من الأدب والحكمة ، ويسجّلون ما يروون عنه من أحاديث جدّه صلىاللهعليهوآله. ويقول المؤرّخون : إنّ الناس كانوا يجتمعون إليه ويحفّون به وكأنّ على رؤوسهم الطير ، يسمعون منه العلم الواسع والحديث الصادق (٢).
وبالفعل كان مجلسه مهوى الأفئدة ، ومتراوح الأملاك ، يشعر الجالس بين يديه أنّه ليس في حضرة إنسان من عمل الدنيا وصنيعة الدنيا ، تمتد أسبابها برهبته وجلاله وروعته ، بل في حضرة طفاح بالسكينة كأنّ الملائكة تروح فيها وتغدو (٣).
لقد جذبت شخصية الإمام الحسين عليهالسلام ، وسموّ مكانته الروحيّة قلوبَ المسلمين ومشاعرهم ، فراحوا يتهافتون على مجلسه (تهافت الفراش على منابع
__________________
١ ـ تاريخ ابن عساكر ٤ ص ٢٢٢.
٢ ـ الحقائق في الجوارح والفوارق ص ١٠٥ ، حياة الإمام الحسين ١ ص ١٣٧.
٣ ـ أشعة من حياة الحسين عليهالسلام ص ٩٣.