الإمام الحسين عليهالسلام ، ولكن كلّ العجب من اُولئك الجفاة الغلاظ الذي عاملهم الإمام بكلّ رقّة ولطافة وإنسانيّة فقابلوه بكلّ صلافة وخساسة ودناءة وجحود ، ليس للفضل والإنعام ، بل لأبسط معاني الأخلاق العربيّة أو الإنسانيّة.
سارَ الإمام الحسين عليهالسلام مِنْ بطنِ العَقَبةِ حتّى نزلَ شَراف (١) ، فلمّا كانَ السّحر أمرَ فتيانَه فاستقَوا من الماءِ فأكْثروا ، ثمّ سارَ منها حتّى انتصفَ النّهارُ ، فبينا هو يسيرُ إذ كبَّر رجلٌ مِن أصحابِه ، فقالَ له الحسين عليهالسلام : «الله أكبرُ ، لِمَ كَبَّرتَ؟».
فقال : رأيتُ النخلَ.
فقالَ له جماعةٌ من أصحابه : والله إنّ هذا المكانَ ما رأينا فيه نخلةً قطُّ.
فقالَ لهم الحسينُ عليهالسلام : «فما تَرَوْنَه؟».
قالوا : نراه والله آذانَ الخيل.
قال عليهالسلام : «أنا واللهِ أرى ذلكَ».
ثمّ قال عليهالسلام : «ما لنا ملجأ نلجأ إليهِ فنَجْعلُهُ في ظهورنا ونستقبلُ القومَ بوجهٍ واحدٍ؟».
فقلنا له : بلى ، هذا ذو حُسْم إلى جنبكَ ، تَميلُ إليهِ عَنْ يَساركَ ، فإنْ سبقتَ إليهِ فهو كما تُريدُ ، فأخَذَ إليهِ ذاتَ اليسارِ ومِلنا معهُ ، فما كان بأسرعَ من أن طلعتْ علينا هوادي الخيل (أعناقها) فتبينّاها وعدلْنا.
__________________
١ ـ شراف : موضع بنجد (معجم البلدان ٣ ص ٣٣١).