واللافت أنّ هذا النظر الفلسفي هو ذاته
يصدر من قيمة أخلاقيّة مائلة في أنّ كرامة الإنسان تمنع عليه أن يُميت عقله ، ويجمِّد
فكره ، ويضيّق على منطقة عالم الرحب والسعة ، مؤمناً بأنّ الإنسانيّة ما برحت
دائبة التحفّز والعمل في أجواء التقدّم والإبداع .
وفي الحقيقة يمكننا القول : إنّ الفلسفة
الأخلاقيّة هي جماع آراء الفلاسفة الأخلاقيين ، وقد كثرت المذاهب الأخلاقيّة بتعدد
المذاهب الفلسفية ، حتّى صار بوسعنا أن نتحدّث عن أنواع ، ونستعرض نماذج من
الأخلاق النظرية ، أو النظريات الأخلاقيّة ، يساوي عددها عدد أصحاب تلك النظريات
أو المذاهب. وعدد هؤلاء ما زال بازدياد كلّما امتدّت بنا الأيام ، ولن نقف عند ذاك
الاستعراض الممل للأقوال من أفلاطون ومدينته الفاضلة ، وأرسطو وشروحه ، وأبيقور
وتخرّصاته ، والرواقيين وفذلكاتهم ، ولا حتّى الفارابي وابن سينا والغزالي
وإضافاتهم ، ولا حتّى الفلسفات المعاصرة كلّها ؛ لأنّ الوقوف عندها ممل ومقيت ، والواقف
عليها لا بدَّ له من أن يفقد أخلاقه ، هذا إذا لم يفقد عقله لشدّة تباينها
واختلافاتها وفراغها الروحي.
المبادئ الأخلاقيّة
بداية لا بدَّ من القول أنّ المبدأ بوجه
عام هو أوّل كلّ أمر ؛ سواء أكان بصورة مطلقة ، أم بصورة نسبية ، أو كان بحسب
الترتيب الزمني ، أو المنطقي ، أو غير ذلك.
__________________