وهذا بالضبط ما جاء به القرآن الكريم الذي كان قمّة الإعجاز في كلّ شيء ، حتّى في بحوث التوحيد والتقديس والتنزيه للباري تعالى. ألا تكفي عشرات الآيات المباركات في هذا الباب ، وهي رأس الدين وأوّل أصوله ، وعمدة أركانه الخمسة؟
ألا تكفي الوهابيّة السلفيّة والحشويّة وبقيّة المجسّمة سورة الإخلاص المباركة وكلماتها النورانيّة : (بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ * اللَّهُ الصَّمَدُ * لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ) (١)؟
بلى والله تكفي وتكفي ؛ لأنّها تعادل ثلث القرآن كما في الروايات المستفيضة ، لِما فيها من معارف التوحيد الذي قال عنه أمير المؤمنين في خطبة أُخرى :
«أوّلُ الدِّينِ معرفتهُ ، وكمالُ معرفتهِ التَّصديقُ به ، وكمالُ التصديقِ به توحيدهُ ، وكمالُ توحيدهِ الإخلاصُ لهُ ، وكمالُ الإخلاصِ لهُ نفيُ الصفاتِ عنهُ ؛ لشهادةِ كلِّ صفةٍ أنّها غيرُ الموصوفِ ، وشهادةِ كلِّ موصوفٍ أنّهُ غيرُ الصفةِ» (٢).
إلاّ أنّ المجسّمة لم يرق لهم ذلك ، فراحوا يحملون آيات القرآن على ظاهرها البحت ، ولم يعتمدوها في أبحاثهم ، وإنّما عمدوا إلى السُنّة والأحاديث الملفّقة والمكذوبة على رسول الله صلىاللهعليهوآله الذي قال : «ستكثر من بعدي الكذّابة ، فما جاءكم عنّي فاعرضوه على كتاب الله ، فإن وافقه فخذوه ، وإن عارضه
__________________
١ ـ سورة الإخلاص.
٢ ـ نهج البلاغة ـ الخطبة الأولى.