فالأخلاق علمٌ ، وعلم الأخلاق سلوك يسير عليه الإنسان ليقف على قيمته وإنسانيته ؛ لأنّ الإنسان كائن أخلاقي كما يعرفه أحدهم ، ولأنّه لا يمكن أن يكون الإنسان إنساناً إلاّ إذا اتّصف بالإنسانيّة. تلك الصفة التي تشكّل جوهره المميّز له عن غيره من جنسه الحيواني ، كما يقول الفلاسفة.
والوجدان الأخلاقي حياة قيمية خاصّة ذات درجات شعورية ، وتحت الشعورية متفاوتة بتفاوت الإشكالات المطروحة عليها ، بحيث تثير في النفس حركة وصراعاً وجدلاً وتردداً ينتهي بعد المحاكمة والموازنة إلى حكم واعٍ يتوخّى سبيله إلى حيّز التنفيذ.
والواقع أنّ كلّ إنسان في كلّ لحظة من لحظات حياته اليومية ـ وطوال عمره ـ يعيش مثل هذا الصراع الباطني الخفي ، ويجهد جهداً يسيراً أو عسيراً للتكيُّف مع ظروف وجوده الأخلاقي ، فيُدرك أنّ أعماله ليست حوادث حياديّة بوجه من الوجوه ، بل إنّ ثمّة صبغة أخلاقيّة هي صبغة الاقتراب من الخير أو من الشرّ في كلّ حركة يقوم بها ، وفي كلّ فعل يحقّقه وعمل يؤدّيه (١).
والوجدان الذي كثيراً ما نتحدّث عنه ، ونقيّم الناس على أساسه ، يصفونه بأنّه : خاصّة تمكّن الفكر البشري من إطلاق أحكام معيارية عفويّة ومباشرة (دون تكلُّف) على القيمة الأخلاقيّة لبعض الأعمال الفردية المحدّدة. فإذا انصرف الوجدان إلى الحكم على الأفعال المستقبلية ، ظهر في صورة (صوت) آمرٍ ناهٍ ، وإذا تناول الأعمال الماضية تجلّى بعواطف الفرح و (الارتياح) ، أو الألم
__________________
١ ـ الفلسفة الأخلاقيّة ص ١١.