هكذا أصبحت الدنيا إذا ذهب المعروف عنها ، والأسوأ من ذلك كلّه هو تعطيل الحقّ والعمل بالباطل ، واللازم العكس إعمال الحقّ وإبطال الباطل.
وهكذا صارت الأمور إلى هذه المستويات من التدنِّي الأخلاقي وقلّة التديّن بحيث أنّ الناس يبادرون إلى نبيَّهم كبني إسرائيل ، أو إلى إمامهم كهذه الأُمّة ، ويريدون قتله والتقرّب بدمه إلى سلطان جائر أو طاغية جبّار.
قال الإمام الحسين عليهالسلام بهذا المعنى : «إنَّ من هوانِ الدُّنيا على الله أنَّ رأس يحيى بن زكريّا اُهدي إلى بغيٍّ من بغايا بني إسرائيل».
وذات يوم ضرب عليهالسلام بيده على لحيته الشريفة وقال :
«اشتدَّ غضبُ الله تعالى على اليهود ؛ إذ جعلوا له ولداً ، واشتدَّ غضبُ الله تعالى على النَّصارى ؛ إذ جعلوهُ ثالث ثلاثة ، واشتدَّ غضبهُ على المجوس ؛ إذ عبدوا الشَّمس والقمر دونه ، واشتدَّ غضبه على قومٍ اتّفقت كلمتهم على قتل ابن بنت نبيّهم. أما والله ، لا أُجيبهم إلى شيءٍ ممّا يريدون حتّى ألقى الله تعالى وأنا مخضّبٌ بدمي» (١).
إنّ حياة الذلّ والهوان لا تليق بالرجال العظام ، ذوي الهمم الشامخة ، والأخلاق الأبيّة ، والمروءات والشهامات ، والإمام الحسين عليهالسلام ثار على الواقع المزري الذي وصلت إليه الأُمّة الإسلاميّة في ظلّ حكومة معاوية وولده يزيد.
إنّ نهضة الإمام عليهالسلام كانت ضرورة حضاريّة لإيقاظ الأُمّة وتنبيهها ؛ وذلك لأنّ «الدّعيّ ابن الدعيّ قد ركز بين اثنتين ؛ بين السّلة والذّلة ، وهيهات منّا الذلّة ؛
__________________
١ ـ اللهوف في قتلى الطفوف ص ٤٣ ، الكلمة ص ٢٧٩.