موقفك ، فأنّا أعذرك وأقدّر لك هذا الموقف ، ولكن أنت في حلّ من ذلك كلّه ، فاذهب وعش حياتك كما تريد.
فوقع جون على قَدَمي الإمام القائد يقبّلهما وهو يقول : يابن رسول الله ، أنا في الرخاء ألحسُ قصاعكم ، وفي الشدّة أخذلكم! والله ، إنّ ريحي لَنَتنٌ ، وحَسَبي لَلئيم ، ولوني لأسود ، فتنفّس عليَّ بالجنّة ؛ ليطيب ريحي ، ويشرف حسبي ، ويبيضَّ لوني ، لا والله ، لا أُفارقكم حتّى يختلط هذا الدمّ الأسود مع دمائكم (١).
ألم أقل لك إنّ كربلاء وعاشوراء استثناء منقطع النظير في التاريخ كلّه ، فمَنْ يقف مثل هذا الموقف العظيم؟! ما هو السبب الذي يجعل هذا العبد رهن إشارة المولى؟! إنّه يعرف نفسه جيداً ، وإنّ طموحه كبير ، وأمله عظيم ؛ لأنّه محدِّقٌ بنظر من حديد إلى مكانة سامية في جنان الخلد ، ورضى الربّ وجنّة القرب ؛ لذا تراه يرفض العيش ، بل ويطلب الموت العاجل. وعندما سمع سيّد الشهداء الحسين عليهالسلام كلامه ، أذن له بالنزول إلى المعركة ، فسطّر ملحمته بحروف من نور ، وكتب وثيقة وفائه وصدقه وإخلاصه بدمه الطاهر الزكي.
وحينما استشهد وسقط على الأرض ذهب إليه المولى أبو عبد الله الحسين عليهالسلام ، ودعا له بهذه الكلمات التي تفيض عذوبة ولطافة : «اللّهمّ بيّض وجهه ، وطيّب ريحه ، واحشره مع محمد صلىاللهعليهوآله ، وعرّف بينه وبين آل محمد صلىاللهعليهوآله».
فكان كلّ مَنْ يمرّ بالمعركة يشمّ منه رائحة طيّبة أزكى من المسك (٢).
__________________
١ ـ المصدر السابق.
٢ ـ مقتل الحسين ـ للمقرّم ص ٢٥٢ ، العوالم ص ٨٨.