إنّ حديث أهل البيت عليهمالسلام هو حديث الحقّ الخالص ، وإنّ حديثهم سنَّة رحمانيّة ؛ لأنّهم القرآن الناطق ، وكتاب الله هو القرآن الصامت ، فهم يفسّرون الكتاب والكتاب يؤيّدهم وينطق بفضلهم ووجوب اتّباعهم ، ولكنّ الحقّ مُرٌّ ، وهو صعب ومستصعب.
ذات يوم أتى الإمام الحسين عليهالسلام أناس ، فقالوا له : يا أبا عبد الله ، حدّثنا بفضلكم الذي جعل الله لكم.
فقال عليهالسلام : «إنّكم لا تحتملونه ولا تُطيقونه».
قالوا : بلى نحتمل.
قال عليهالسلام : «إن كنتم صادقين ، فليتنحّ اثنان وأحدّث واحداً ، فإن احتمله حدّثتكم».
فتنحّى اثنان وحدَّث واحداً ، فقام طائر العقل ، ومرَّ على وجهه وذهب ، فكلّمه صاحباه فلم يردَّ عليهما شيئاً ، فقاموا وانصرفوا (١).
سبحان الله! الإنسان يبقى مغروراً بنفسه وهو من أضعف المخلوقات ، ولقد وصفه تعالى بذلك فقال : (وَخُلِقَ الإِنْسَانُ ضَعِيفًا) (٢) ، فالإمام الحسين عليهالسلام يقول لهم لا تطيقون ، ولا يريد أن يحمّلهم أكبر من طاقاتهم ، عطفاً عليهم ورحمة لهم ، وهم يصرّون على أنّهم يطيقون ويحتملون ، وما واحدهم إلاّ كأس صغير ويطمح لكي يتّسع لمياه البحر العظيم ، وإذا قال لهم البحر لن
__________________
١ ـ الكلمة ص ٥١ ، عن الخرائج والجرائح ٢ ص ٧٩٥ ب١٦ ح٤.
٢ ـ سورة النساء : الآية ٢٨.