الأوّل : القرآن ، قال ـ تعالى ـ : (وَلَوْ لا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ) أراد بالفضل الإسلام (١) ، وبالرّحمة القرآن.
الثاني : بمعنى الإسلام ؛ قال ـ تعالى ـ : (يُدْخِلُ مَنْ يَشاءُ فِي رَحْمَتِهِ) [الإنسان : ٣١] أي : في الإسلام [ومثله (وَلكِنْ يُدْخِلُ مَنْ يَشاءُ فِي رَحْمَتِهِ) [الشورى : ٨] أي : في دين الإسلام](٢).
الثالث : [بمعنى](٣) : الجنة ؛ قال ـ تعالى ـ : (أُولئِكَ يَئِسُوا مِنْ رَحْمَتِي) [العنكبوت : ٢٣] أي : من جنّتي.
الرّابع : المطر ؛ قال ـ تعالى ـ : (يُرْسِلُ الرِّياحَ بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ).
الخامس : النّعمة ؛ قال ـ تعالى ـ : (وَلَوْ لا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ).
السادس : النبوة ؛ قال ـ تعالى ـ : (أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ) [الزخرف : ٣٢] ، أي : النّبوّة.
السابع : الرّزق ؛ قال ـ تعالى ـ : (ما يَفْتَحِ اللهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ) [فاطر : ٢] : من الرّزق ؛ ومثله (وَإِمَّا تُعْرِضَنَّ عَنْهُمُ ابْتِغاءَ رَحْمَةٍ مِنْ رَبِّكَ تَرْجُوها) أي : رزقا.
فصل
اعلم : أن ظاهر هذا الاستثناء يوهم أنّ ذلك القليل وقع لا بفضل الله ولا برحمته ، وذلك محال.
قوله : (إِلَّا قَلِيلاً) ذكر المفسّرون فيها عشرة أوجه :
الأول : قال بعضهم : إنه مستثنى من فاعل «اتبعتم» أي : لاتّبعتم الشيطان إلا قليلا منكم ، فإنه لم يتّبع الشّيطان ، على تقدير كون فضل الله لم يأته ، ويكون أراد بفضل الله الإسلام وإرسال محمّد صلىاللهعليهوسلم ، ويكون قوله : (وَلَوْ لا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطانَ) كلام تامّ ، [وذلك القليل ؛ كقسّ بن ساعدة الإيادي ، وزيد بن عمرو بن نفيل ، وورقة بن نوفل ، وجماعة سواهم ممّن كان على دين المسيح قبل بعثة الرسول].
وقال أبو مسلم (٤) : المراد بفضل الله ورحمته في هذه الآية : هو نصرته ومعونته اللّذان تمنّاهما المنافقون ؛ بقولهم : (فَأَفُوزَ فَوْزاً عَظِيماً) [النساء : ٧٣] بيّن ـ تعالى ـ أنّه لو لا حصول النّصر والظّفر على سبيل التّتابع ، لاتّبعتم الشّيطان وتركتم الدين إلّا قليلا منكم ، وهم أهل البصائر النّافذة ، والنّيّات القويّة (٥) ، والعزائم المتمكّنة من أفاضل
__________________
(١) في أ : الإنسان.
(٢) سقط في ب.
(٣) سقط في أ.
(٤) ينظر : تفسير الرازي ١٠ / ١٦١.
(٥) في أ : القوفية.