فالجواب : أن هذه واو العطف ، والممنوع إنما هو واو الحال.
و «خلق» فيه وجهان :
أحدهما : أنه مصدر على أصله ، أي يتفكرون في صفة هذه المخلوقات العجيبة ، ويكون مصدرا مضافا لمفعوله.
الثاني : أنه بمعنى المفعول ، أي : في مخلوق السموات والأرض وتكون إضافته في المعنى إلى الظرف ، أي : يتفكرون فيما أودع الله هذين الظرفين من الكواكب وغيرها.
وقال أبو البقاء : «وأن يكون بمعنى المخلوق ، ويكون من إضافة الشيء إلى ما هو هو في المعنى».
قال شهاب الدّين (١) : «وهذا كلام متهافت ؛ إذ لا يضاف الشيء إلى نفسه ، وما أو هم بذلك يؤوّل».
فصل
(وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) وما أبدع فيهما ؛ ليدلهم ذلك على قدرة الصانع ، [ويعرفوا](٢) أن لها مدبّرا حكيما.
وقال بعض العلماء : الفكرة تذهب الغفلة ، وتحدث للقلب خشية ، كما يحدث الماء للزرع والنبات ، ولا أجليت القلوب بمثل الأحزان ، ولا استنارت بمثل الفكرة.
واعلم أن دلائل التوحيد محصورة في قسمين :
دلائل الآفاق ، ودلائل الأنفس ، ولا شك أن دلائل الآفاق أجلّ وأعظم ، كما قال تعالى : (لَخَلْقُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ) [غافر : ٥٧] فلذلك أمر بالتفكر في خلق السموات والأرض ؛ لأن دلالتها أعجب ، وكيف لا تكون كذلك ولو أنّ الإنسان نظر إلى ورقة صغيرة من أوراق شجرة رأى في تلك الورقة عرقا واحدا ممتدا في وسطها ، ثم يتشعّب من ذلك العرق عروق كثيرة من الجانبين ، ثم يتشعّب منها عروق دقيقة ، ولا يزال يتشعب من كل عرق عروق أخرى ، حتى تصير في الورقة بحيث لا يراها البصر ، وعند هذا يعلم أن للحق في تدبير هذه الورقة على هذه الخلقة حكما بالغة ، وأسرارا عجيبة ، وأن الله تعالى أودع فيها قوة جاذبة لغذائها من قعر الأرض ، ثم إنّ ذلك الغذاء يجري في تلك العروق حتى يتوزّع على كل جزء من أجزاء تلك الورقة جزء من أجزاء ذلك الغذاء ـ بتقدير العزيز العليم ـ ولو أراد الإنسان أن يعرف كيفية خلقه تلك الورقة ، وكيفية التدبير في إيجادها ، وإيداع القوى الغذائية والنامية فيها لعجز عنه ، فإذا عرف أن عقله قاصر عن الوقوف على كيفية خلقه تلك الورقة الصغيرة ، فحينئذ يقيس تلك الورقة إلى السموات ـ مع ما فيها من الشمس والقمر والنجوم ـ وإلى الأرض ـ مع ما فيها من
__________________
(١) ينظر : الدر المصون ٢ / ٢٨٣.
(٢) في أ : ويقولون.