غَيَّهُ (١) رُشْداً (٢) ، وَغَرَّتْهُ الْأَمَانِيُّ ، وَأَخَذَتْهُ الْحَسْرَةُ وَالنَّدَامَةُ إِذَا قُضِيَ الْأَمْرُ ، وَانْكَشَفَ عَنْهُ الْغِطَاءُ ، وَبَدَا لَهُ مَا لَمْ يَكُنْ يَحْتَسِبُ ؛ وَمَنْ عَتَا عَنْ (٣) أَمْرِ اللهِ شَكَّ ؛ وَمَنْ شَكَّ ، تَعَالَى اللهُ عَلَيْهِ ، فَأَذَلَّهُ بِسُلْطَانِهِ ، وَصَغَّرَهُ بِجَلَالِهِ ، كَمَا اغْتَرَّ بِرَبِّهِ الْكَرِيمِ ، وَفَرَّطَ (٤) فِي أَمْرِهِ.
وَالْغُلُوُّ عَلى أَرْبَعِ شُعَبٍ : عَلَى (٥) التَّعَمُّقِ (٦) بِالرَّأْيِ (٧) ، وَالتَّنَازُعِ فِيهِ ، وَالزَّيْغِ (٨) ، وَالشِّقَاقِ (٩) ؛ فَمَنْ تَعَمَّقَ لَمْ يُنِبْ (١٠) إِلَى الْحَقِّ ، وَلَمْ يَزْدَدْ إِلاَّ غَرَقاً فِي الْغَمَرَاتِ (١١) ، وَلَمْ تَنْحَسِرْ (١٢) عَنْهُ فِتْنَةٌ إِلاَّ غَشِيَتْهُ أُخْرى ، وَانْخَرَقَ (١٣) دِينُهُ ، فَهُوَ يَهْوِي فِي أَمْرٍ مَرِيجٍ (١٤) ؛ وَمَنْ نَازَعَ فِي الرَّأْيِ (١٥) وَخَاصَمَ ، شُهِرَ بِالْعَثَلِ (١٦) مِنْ طُولِ اللَّجَاجِ ؛ وَمَنْ زَاغَ قَبُحَتْ عِنْدَهُ الْحَسَنَةُ ، وَ
__________________
(١) غوي غيّاً : انهمك في الجهل ، وهو خلاف الرشد. والاسم : الغَواية. المصباح المنير ، ص ٤٥٧ ( غوي ).
(٢) في « بر ، بف » : « غيب عنه رشده ». وفي الوافي : « رشده ».
(٣) في مرآة العقول : « من ».
(٤) في « بر » والوافي : « ففرّط ». و « فرّط في أمره » أي قصر في طاعته.
(٥) في شرح المازندراني : ـ / « على ».
(٦) « التعمّق » : المبالغة في الأمر والتشدّد فيه ، الذي يطلب أقصى غايته. والمراد التعمّق والغور في الامور بالآراء والمقاييس الباطلة. راجع : النهاية ، ج ٣ ، ص ٢٩٩ ( عمق ).
(٧) في « بر » والوافي : « في الرأي ».
(٨) يقال : زاغ عن الطريق يَزيغ : إذا عدل عنه. النهاية ، ج ٢ ، ص ٣٢٤ ( زيغ ). والمراد : الزيغ عن الحقّ.
(٩) « الشِّقاق » : المُخالفة ، وكونُك في شقٍّ غير شقّ صاحِبك. المفردات للراغب ، ص ٤٥٩ ( شقق ).
(١٠) في « د ، بر » : « لم يتب ». وأناب يُنيب إنابة : راجع. مجمع البحرين ، ج ٢ ، ص ١٧٧ ( نوب ).
(١١) « إلاّ غرقاً في الغمرات » ، أي الشبه القويّة الشديدة ، والآراء الفاسدة المتراكمة بعضها فوق بعض ، التي لم يمكنه التخلّص منها. و « الغمرات » : واحدتها غَمْرَة. وهي الماء الكثير. راجع : شرح المازندراني ، ج ١٠ ، ص ٦٧ ؛ مرآة العقول ، ج ١١ ، ص ١٤٨ ؛ النهاية ، ج ٣ ، ص ٣٨٤ ( غمر ).
(١٢)« تنحسر » : تنكشف. يقال : حَسَرت العمامة عن رأسي والثوب عن بدني ، أي كشفتها. النهاية ، ج ١ ، ص ٣٨٣ ( حسر ).
(١٣) في « بف » : « وانحرف ».
(١٤) مَرِجَ الدين والأمر : اختلط واضطرب. الصحاح ، ج ١ ، ص ٣٤١ ( مرج ).
(١٥) في « بف » : « الدين ».
(١٦) في « ج ، د ، ص ، بر ، بف » والوافي : « بالفشل ». أي الضعف والجبن. وفي الشروح : العثل ، بالعين والثاء