وهؤلاء أكثر من أربعين شخصاً من أعلام أهل السنة قد رووا أخبار التحريف في كتبهم المعروفة ، وما تركناه أكثر مما أحصيناه ، مع أن أهل السنة لا يلتزمون بأن هؤلاء يقولون بالتحريف مع تصحيحهم لأحاديث صريحة تدل على ذلك.
ومن الطريف أن الكاتب الذي نقل عن الميرزا النوري قوله بتحريف القرآن قد تعامى عن أدلّته قدسسره في إثبات تحريف التوراة والإنجيل في الصفحات ٣٥ ـ ٥٣ ، فلا أدري لِمَ لمْ يرَ الكاتب كل تلكم الصفحات ، ونسب القول بعدم تحريف الكتب السماوية لكافة علمائنا ، مع أن علماء الشيعة مطبقون على القول بتحريف تلك الكتب لفظاً ومعنى.
فقد قال الميرزا النوري قدسسره : الأمر الأول : وقوع التغيير والتحريف في الكتابين ، وأن الموجود بأيدي اليهود والنصارى غير مطابق لما نزل على موسى وعيسى على نبيّنا وآله وعليهماالسلام ، وهو بمكان من الوضوح ، بل هو مقطوع به بعد ملاحظة الآيات الكثيرة والأخبار المتواترة وإجماع المسلمين ، بل ملاحظتهما في أنفسهما كافية في إثبات المطلوب ، ومغنية عن الاستدلال عليه بها (١).
في حين أن البخاري قد صرَّح في صحيحه بأن تحريف كل الكتب السماوية إنما هو في المعاني والتأويل ، لا في الألفاظ والكلمات.
فقد قال في كتاب التوحيد ، باب (بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ) : (وَالطُّورِ وَكِتَابٍ مَسْطُورٍ) قال قتادة : مكتوب (يَسْطُرُونَ) يخطّون (فِي أُمِّ الْكِتَابِ) جملة الكتاب وأصله (مَا يَلْفِظُ) ما يتكلم من شيء إلا كتب عليه ، وقال ابن عباس : يُكتب الخير والشر (يُحَرِّفُونَ) يزيلون ، وليس أحد يزيل لفظ كتاب من كتب الله عزوجل ، ولكنهم يحرِّفونه يتأولونه على غير تأويله (٢).
قال ابن حجر في فتح الباري : قال شيخنا ابن الملقن في شرحه : هذا الذي قاله
__________________
(١) فصل الخطاب ، ص ٣٥.
(٢) صحيح البخاري ٤ / ٢٣٦٠.