وأقول : إن حلّية المتعة وغيرها من المحلَّلات إنما تُعرف من النصوص الصحيحة ، وليس شرطاً أن يمارسها النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم أو تصدر من امرأة من أهل البيت عليهمالسلام ، فإن اشتراط ذلك لم يقل به أحد ، وقد مرَّ بيان ذلك فيما سبق.
وأكثر أحكام الشريعة لا يوجد دليل على أن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم فعلها ، ولهذا أجمع أهل السُّنة على أن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم أباح نكاح المتعة ثمّ حرَّمها ، ولم يرووا أنه تمتَّع في وقت حلّيتها بامرأة قط ، ورووا ذلك عن بعض الصحابة.
وأجمعوا على أن الزانية يحل نكاحها ، بشرط توبتها عند أحمد بن حنبل (١) ، مع أن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم لم يتزوج من زانية قط.
وأجمعوا على أن من طلَّق زوجته قبل الدخول رجع عليها بنصف المهر ، ولم يرووا أن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم طلق ورجع بنصف المهر.
وأجمعوا على أن نكاح التفويض جائز ، وهو أن يعقد النكاح دون صداق (٢) ، مع أنهم لم يرووا أن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم فعله.
بل إنهم اتفقوا على حلّية أمور نصّوا على أن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم لم يفعلها ، بل كرهها.
منها : حكمهم بحلّية أكل لحم الضب مع أن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم لم يأكله ، فقد أخرج مسلم في صحيحه بسنده عن ابن عمر قال : سأل رجلٌ رسولَ الله صلىاللهعليهوسلم وهو على المنبر عن أكل الضب ، فقال : لا آكله ولا أحرِّمه (٣).
وعن توبة العنبري سمع الشعبي ، سمع ابن عمر أن النبي صلىاللهعليهوسلم كان معه ناس من أصحابه فيهم سعد ، وأتُوا بلحم ضبٍّ ، فنادت امرأة من نساء النبي صلىاللهعليهوسلم : إنه لحم ضب. فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : كُلُوا ، فإنه حلال ، ولكنه ليس من طعامي (٤).
__________________
(١) راجع كتاب رحمة الأمة في اختلاف الأئمة ، ص ٣٩٦.
(٢) راجع بداية المجتهد ٣ / ٦١.
(٣) صحيح مسلم ٣ / ١٥٤٢.
(٤) نفس المصدر.