رُوي عنهم متعارضاً إما أن يكون مكذوباً عليهم أو محمولاً على التقية.
ولتمييز ما صدر منهم تقية عن غيره يُنظر فيما وافق العامة من الحديثين المتعارضين فيُطرح ، لأنه هو الذي تُحتمل فيه التقية دون ما خالفهم ، فإن الأئمة عليهمالسلام كانوا يحذَرون سلاطين الجور وأعوانهم ، وكانوا يتحاشون معارضة فتاوى قضاتهم وعلماء بلاطهم ، فيفتون أحياناً بما يوافقهم تقيَّةً ، وبهذا وغيره نشأت أخبار التقية في أحاديث الأئمة عليهمالسلام.
ولئن كانت مخالفة العامة قاعدة للترجيح بين الأخبار المتعارضة فقط ، دون أن تكون بنفسها قاعدة لاستنباط الحكم الشرعي كما قلنا ، فإن أهل السنة جعلوا مخالفة الروافض قاعدة يطرحون لأجلها حتى الأحكام التي صحَّ عندهم ثبوتها عن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم.
قال ابن تيمية : إذا كان في فعلٍ مستحب مفسدة راجحة لم يَصِر مستحباً ، ومن هنا ذهب مَن ذهب من الفقهاء إلى ترك بعض المستحبات إذا صارت شعاراً لهم ، فلا يتميز السُّنّي من الرافضي ، ومصلحة التميُّز عنهم لأجل هجرانهم ومخالفتهم أعظم من مصلحة هذا المستحب ، وهذا الذي ذهب إليه يحتاج إليه في بعض المواضع إذا كان في الاختلاط والاشتباه مفسدة راجحة على مصلحة فعل ذلك المستحب (١).
قلت : وأما فتاواهم في ذلك فهي كثيرة ، وإليك بعضاً منها :
قال ابن حجر في فتح الباري : اختُلف في السلام على غير الأنبياء ، بعد الاتفاق على مشروعيته في تحية الحي ، فقيل : يشرع مطلقاً. وقيل : بل تبعاً ، ولا يُفرد لواحد ، لكونه صار شعاراً للرافضة. ونقله النووي عن الشيخ أبي محمد الجويني.
وقال الزمخشري في الكشاف : القياس جواز الصلاة على كل مؤمن لقوله تعالى (هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ) وقوله تعالى (وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ) وقوله
__________________
(١) منهاج السنة ٤ / ١٥٤.