قال بعض المتكلمين (١) : إن الله عز ذكره جعل نبيه أميا لا يكتب ، ولا يحسب ، ولا ينسب ، ولا يقرض الشعر ، ولا يتكلف الخطابة ، ولا يعتمد (٢) البلاغة ، لينفرد الله تعالى بتعليمه الفقه ، وأحكام الشريعة ويقصره على [معرفة] (٣) مصالح الدين دون ما تتباهى (٤) به العرب من قيافة (٥) الأثر والبشر والعلم بالأنواء ، وبالخيل ، وبالأنساب (٦) ، وبالأخبار وتكلف قول الأشعار ؛ ليكون إذا جاء بالقرآن العظيم (٧) ، وتكلم بالكلام العجيب (٨) ، كان ذلك أدل على أنه من الله.
وزعم أن الله لم يمنعه معرفة آدابهم ، وأخبارهم ، وأشعارهم ليكون أنقص حظا (٩) من الكاتب الحاسب ، والخطيب الناسب ، ولكن ليجعله نبيا ، وليتولى [من] (١٠) تعليمه ما هو أزكى ، وأنمى. فإنما نقّصه ليزيده ، ومنعه ليعطيه ، وحجبه (١١) عن القليل ليجلّي (١٢) له الكثير.
قال الجاحظ : قد أخطأ هذا الشيخ ، ولم يرد إلّا الخير (١٣). وقال بمبلغ علمه ، ومنتهى رأيه ، ولو قال (١٤) : إن أداة (١٥) الكتابة والحساب وقرض الشعر ، ورواية جميع النسب قد كانت تامة ، وافرة ، مجتمعة كاملة ، ولكنه صرف تلك القوى ، وتلك (١٦) الاستطاعة إلى ما هو
__________________
(١) النص من البيان والتبيين ٤ / ٣٢ وفيه : وكان شيخ من البصريين يقول إنّ الله إنما جعل نبيه ...
(٢) في الأصل : (ولا يعقد).
(٣) ما بين القوسين زيادة ليست في الأصل وهي من البيان والتبيين وكررت في المخطوط مرتين.
(٤) في الأصل : (يتناهى).
(٥) في الأصل : (قيامه) وفي البيان والتبيين : (والبشر من العلم).
(٦) في الأصل : (الحيل والانتساب).
(٧) في البيان : الحكيم.
(٨) في الأصل : (بكلام عجيب) والتصويب من البيان.
(٩) في الأصل : (خطا).
(١٠) زيادة ليست في الأصل.
(١١) في الأصل : (صحبته).
(١٢) في الأصل : (التحيلى).
(١٣) في الأصل : (الحين).
(١٤) في البيان : ولو زعم.
(١٥) في الأصل : (ارادة).
(١٦) في الأصل : (فتلك).