أزكى بالنبوة ، وأشبه بمرتبته الرسالة ، (ولو) (١) كان (٢) احتاج إلى الخطابة لكان أخطب الخطباء ، وأنسب من كل ناسب ، وأقيف (٣) من كل قايف ، ولو كان في ظاهره (٤) أنه كاتب حاسب ، وشاعر ناسب ، ومقتف قائف (٥) ، ثم أعطاه برهانات الرسالة وعلامات النبوة ما كان ذلك بمانع من إيجاب تصديقه ، وإلزام (٦) طاعته والانقياد (٧) لأمره على سخطهم ورضاهم ، ومكروههم ، ومحبوبهم (٨) ، ولكنه أراد أن لا تكون للقلوب عرجة (٩) عن معرفة ما جاء به ولا يكون للناعب متعلق عما به إليه ، حتى لا يكون دون المعرفة بحقه حجاب وإن رق ؛ وليكون ذلك أخف في المؤونة ، وأسهل في المحنة ، فلذلك صرف نفسه عن الأمور التي كانوا يتكلفونها ، ويتنافسون فيها. فلما طال هجرانه لقرض الشعر ، وروايته (١٠) صار لسانه لا ينطق به ، والعادة توأم الطبيعة. فأما في غير ذلك فإنه كان أنطق من كل منطيق ، وأنسب من كل ناسب ، وأقيف (١١) من كل قايف وكانت الآلة أوفر ، والأداة (١٢) أكمل ، إلا أنها كانت مصروفة إلى ما هو أردّ. وبين أن يضيف إليه العجز ، وبين أن يضيف إليه العادة الحسنة ، وامتناع الشيء عليه من طول الهجران له ، فرق لكان قال قولا سديدا (١٣).
__________________
(١) زيادة ليست في الأصل.
(٢) في البيان : إذا احتاج البلاغة لكان أبلغ البلغاء وإذا احتاج إلى الخطابة.
(٣) في البيان : واقوف.
(٤) بعدها في البيان : والمعروف من شأنه أنه ...
(٥) في البيان : ومتفرس قائف.
(٦) في البيان : تصديقه ولزوم طاعته.
(٧) في الأصل : (والإيقياد).
(٨) من هنا إلى ... إليه مختلف عن نص البيان والتبيين.
(٩) في البيان والتبيين : (ولكنه أراد ألا يكون للشاغب متعلق عما دعا إليه حتى لا يكون دون المعرفة).
(١٠) في الأصل : (ورواتبه).
(١١) في الأصل : (واقبف).
(١٢) في الأصل (وأدواية) ... (أود) كذا في الأصل.
(١٣) في البيان والتبيين : (الهجران له فرق) وما بعدها غير موجود فيه.