إن الله تعالى قد سمّى أحبّ خلقه إليه ، فقال : (وَما مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ) (١). وكنّى أبغض خلقه إليه ، فقال : (تَبَّتْ يَدا أَبِي لَهَبٍ) (٢).
قال بعض المحسنين :
إن طاعة العبد لسيده تنقسم ثلاثة أقسام : منها عمل القلب ، وهو الإخلاص في اعتقاد العبودية. كما قال الله تعالى : (وَما أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ) (٣). ومنها عمل اللسان وهو وصفه بما يستحقه من المدح والثناء عليه كما قال الله تعالى : (وَلِلَّهِ الْأَسْماءُ الْحُسْنى فَادْعُوهُ بِها) (٤) ومنها عمل الجوارح وهو مباشرة ما (٥) عرف فيه رضاه من وجوه الخدمة ، كما قال الله تعالى : (ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) (٦).
قرأت في كتاب أخبار الوزراء والكتاب لأبي عبد الله بن عبدوس الجهشياري (٧) :
حضر (٨) المأمون جماعة من المتكلمين ، ومحمد بن عبد الملك حاضر. فقال المأمون :
قد كنت (٩) أحفظ من كتاب الله أشياء عنى بها لا إله إلا الله ، وقد استترت عني ، فأخبروني بها. فلم يكن عند واحد منهم علم ذلك غير محمد بن عبد الملك (١٠) فقال : يا أمير
__________________
(١) آل عمران : ١٤٤.
(٢) المسد : ١.
(٣) البينة : ٥.
(٤) الأعراف : ١٨٠.
(٥) في الأصل : (كلما).
(٦) في الأصل : (واسجدوا واركعوا) والصواب ما أثبتناه ، الحج : ٧٧.
(٧) هو أبو عبد الله محمد بن عبدوس الكوفي المعروف بالجهشياري ، مؤرخ قديم نال مكانة كبيرة عند الوزراء توفي نحو ٣٣١ ه وكتابه الوزراء والكتاب مطبوع في القاهرة سنة ١٩٣٨ بتحقيق مصطفى السقا وآخرين.
(٨) النص غير موجود في كتاب الوزراء والكتاب ولعله في الأقسام الضائعة منه.
(٩) في الأصل : (كتب).
(١٠) محمد بن عبد الملك ، كاتب مترسل ، مشهور استوزره المعتصم والواثق ثم نكبه المتوكل وسجنه وعذبه فمات ببغداد سنة ٢٣٣ ه انظر : تاريخ بغداد ٢ / ٣٣٢.