قيل لأبي العيناء : ما تقول في مالك بن طوق (١)؟ قال : لو كان في زمان بني إسرائيل ، ونزلت آية البقرة ما ذبحوا غيره (٢).
لما شكا أبو العيناء إلى عبيد الله بن سليمان (٣) اختلال حاله ، لتأخر أرزاقه. قال له:
ألم نكن (٤) كتبنا إلى ابن المدبر (٥) فما فعل في أمرك شيئا؟
قال : نعم ، كتبت إلى رجل قد قصّر من همته طول الفقر ، وذلّ الأسر (٦) ومعاناة محن الدهر فأخفقت (٧) ، وما ألححت.
فقال : أنت اخترته يا أبا العيناء.
قال : وما علي! (٨) قد (وَاخْتارَ مُوسى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلاً لِمِيقاتِنا) فما كان فيهم رجل رشيد (٩) فأخذتهم الرجفة. وقد اختار النبي صلىاللهعليهوسلم ابن أبي (١٠) سرح كاتبا ، فلحق
__________________
(١) في الأصل : (ملك البرطوق) وهو تحريف في النسخ. ومالك هذا هو مالك بن طوق بن عتاب التغلبي ، يكنى أبا كلثوم أمير من أشراف الفرسان والأجواد كان فصيحا. وله شعر توفي نحو ٢٩٥ ه انظر : الأعلام ٦ / ١٣٧.
(٢) الخبر في وفيات الأعيان ٣ / ٤٦٦ ، زهر الآداب ١ / ٢٨٤ ، وذيل زهر الآداب ٢٣٤ وفيه : لو كان في زمن بني إسرائيل ونزل ذبح البقرة ما ذبح غيره. قيل فأخوه عمر؟ قال : (كَسَرابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ ماءً حَتَّى إِذا جاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئاً).
(٣) في الأصل : (عبيد الله بن سلمان) وهو تحريف. ويعرف بابن وهب يكنى أبا القاسم وزير من أكابر الكتاب استوزره المعتمد العباسي والمعتضد واستمرت وزارته عشر سنين توفي نحو ٢٨٨ ه انظر : فوات الوفيات ٢ / ٢٧. والخبر في زهر الآداب ١ / ٢٨٦ ووفيات الأعيان ٤ / ٣٤٤ ، أخبار الأذكياء : ٨٨ ، أخبار الظراف ٧٣ ، معجم الشعراء ٧ / ٦١.
(٤) في وفيات الأعيان ٣ / ٤٦٦ : أليس قد كتبت إلى إبراهيم بن المدبر.
(٥) في الأصل : (ابن المدني) وهو تحريف وابن المدبر هو إبراهيم بن محمد بن عبيد الله بن المدبر ، وزير من الكتاب المترسلين الشعراء ، استوزره المعتمد لما خرج من سامراء يريد مصر سنة ٢٦٩ ه. توفي ببغداد نحو ٢٧٩ ه. إرشاد الأريب ١ / ٢٩٣ ـ ٢٩٤.
(٦) علّق ابن خلكان على الخبر بأن أبا العيناء إنما ذكر ذل الأسر ، لأن إبراهيم المذكور كان قد أسره علي بن محمد صاحب الزنج بالبصرة ، وسجنه ، فنقب السجن وهرب. وفيات الأعيان ٣ / ٤٦٦.
(٧) في زهر الآداب ١ / ٨٦ : فأخفقته مني طلبتي ، وفي وفيات الأعيان ٣ / ٤٦٦ : فأخفق سعي وخابت طلبتي.
(٨) في وفيات الأعيان : فقال : وما عليّ أيها الوزير في ذلك وقد اختار النبي صلىاللهعليهوسلم عبد الله بن أبي سرح كاتبا ، فرجع إلى المشركين.
(٩) في الأصل : ألحان والكلام اقتباس من قوله تعالى في سورة الأعراف : ١٥٥ (وَاخْتارَ مُوسى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلاً لِمِيقاتِنا فَلَمَّا أَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ قالَ رَبِّ لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُمْ مِنْ قَبْلُ وَإِيَّايَ).
(١٠) ابن أبي سرح : هو عبد الله بن سعد بن أبي سرح ، أسلم قبل الفتح ، واستكتبه النبي صلىاللهعليهوسلم. وكان يكتب موضع الغفور العزيز الحكيم وأشباه ذلك ، فأطلع عليه النبي ، فهرب إلى مكة مرتدا ، فأهدر النبي دمه ثم أسلم وحسن إسلامه ، وولي مصر سنة ٢٤ ه فأقام عليها إلى أن حصر عثمان. ومات بالشام. التنبيه والأشراف : ٢٤٦ ، زهر الآداب ١ / ٣٤٤.