ولما أراد المنصور أن يضم بعض العلماء إلى المهدي ، وصف له سليمان بن الحسن الواسطي فاستدعاه ، وقرّبه. ثم قال له : أعالم (١) أنت؟ فسكت ، ولم يجبه. فقال : ما لك لا تتكلم؟ فقال : يا أمير المؤمنين ، إن قلت أنا عالم ، كنت قد زكّيت نفسي. وقد نهى الله عن ذلك فقال : (فَلا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ) (٢). وإن قلت لست بعالم ، وقد قرآت القرآن. كنت حقرت ما عظم الله. فأعجب به ، وضمّه إلى المهدي.
فصل
في التعليم
عير (٣) أبو زيد البلخي (٤) بأنه معلم ، فكتب رسالة حسنة في فضل التعليم يقول فيها :
وليس يستغني أحد عن التعليم والتعلم ؛ لأن الحاجة تضطره (٥) إليها في جميع الديانات ، والصناعات ، والآداب ، والأنساب ، والمذاهب ، والمكاسب ، فما يستغني كاتب ولا حاسب ، ولا صانع ، ولا أحد من كل مكسب ومذهب من أن يتعلم صناعته ممن هو أعلم منه ، ويعلمها لمن هو أجهل (٦) منه. وقوام الخلق بالعلم والتعليم. والمعلم أفضل من المتعلم ، لأن صفة العلم دالة على التمام والإفادة. والمتعلم صفة دالة على النقصان والاستفادة. وحسبك جهلا من رجل يعمد إلى فعل قد وصف به الخالق نفسه ، ثم رسوله عليهالسلام ،
__________________
(١) في الأصل : (اعلم).
(٢) النجم : ٣٢.
(٣) في الأصل : (غير).
(٤) أبو زيد البلخي هو أحمد بن سهل. ولد في بلخ نحو ٢٣٥ وتوفي نحو سنة ٣٢٢ ه عرضت عليه الوزارة فرفضها. كان معلما للصبيان ، ثم رفعه العلم إلى رتبة علية فكان يجمع بين العلوم القديمة والحديثة ، ويسلك في مؤلفاته طريق الفلاسفة.
الفهرست ٢٠٤.
(٥) في الأصل : (يضطر).
(٦) في الأصل : (فمن جهل).