واستمر في الخطبة ثم ساق الكلام إلى ذكر أهل الشام فقال :
ودعوناهم فلم يجيبوا إلى الحق والبرهان ، ولم يتناهوا عن الطغيان والعدوان وقد أنذرناهم ، ونبذنا إليهم على سواء (١) إن الله لا يحب الخائنين.
ومن دعائه في ليلة الهرير (٢) :
اللهم إليك نقلت الأقدام ، وأفضت القلوب (٣) ، ورفعت الأيدي ، ومدت الأعناق ، وطلبت الحوائج. وشخصت الأبصار (٤). اللهم (افْتَحْ بَيْنَنا وَبَيْنَ قَوْمِنا بِالْحَقِّ وَأَنْتَ خَيْرُ الْفاتِحِينَ) (٥).
ونظر يوما إلى بعض أصحابه يتألمون من الجراح فقرأ : (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَا أَخْبارَكُمْ) (٦).
ولما حمل أهل الشام المصاحف على رؤوس الرماح ودعوا إليها. تقدم رجل منهم على فرس أبلق (٧) في يده مصحف قد فتحه. ثم وقف بين الجمعين وجعل يقرأ : (وَإِذا دُعُوا إِلَى اللهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذا فَرِيقٌ مِنْهُمْ مُعْرِضُونَ (٤٨) وَإِنْ يَكُنْ لَهُمُ الْحَقُّ يَأْتُوا إِلَيْهِ مُذْعِنِينَ (٤٩) أَفِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَمِ ارْتابُوا أَمْ يَخافُونَ أَنْ
__________________
(١) في الأصل : (سوا) والقول إشارة إلى قوله تعالى : (وَإِمَّا تَخافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ) الأنفال : ٥٨.
(٢) الهرير معركة دارت بين جيش الإمام علي وجيش معاوية سنة ٣٧ ه وكانت في ليلة شديدة على المسلمين يضرب بها المثل في الشدة. كثر فيها القتلى من الجانبين. انظر شرح نهج البلاغة ١ / ١٨٤ وأول الدعاء فيه : «اللهم يا صمد ، يا إله محمد ، إليك ..».
(٣) قبلها في نهج البلاغة : (اللهم إليك أمضت القلوب ، ومدت الأعناق ، ونقلت الأقدام).
(٤) في شرح نهج البلاغة : (وشخصت الأبصار ، وطلبت الحوائج) وبعدها : (اللهم نشكو إليك غيبة نبينا ، وكثرة عدونا ، وتشتت أهوائنا. ربنا افتح بيننا وبين قومنا بالحق ، وأنت خير الفاتحين. سيروا على بركة الله).
(٥) الأعراف : ٨٨.
(٦) محمد : ٣١.
(٧) الأبلق : صفة للفرس من البلق ، إذا كان في لونه سواد وبياض.