وخطب علي رضي الله عنه فقال في خطبته :
عباد الله الموت ليس منه فوت إن أقمتم له أخذكم. وإن هربتم منه أدرككم. ألا وإن القبر روضة من رياض الجنة ، أو حفرة من حفر النار. ألا وإن وراءه (يَوْماً يَجْعَلُ الْوِلْدانَ شِيباً) (١) و (تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذاتِ حَمْلٍ حَمْلَها وَتَرَى النَّاسَ سُكارى وَما هُمْ بِسُكارى وَلكِنَّ عَذابَ اللهِ شَدِيدٌ) (٢).
ألا وإن وراء ذلك اليوم نار حرها شديد ، وقعرها بعيد. ليست لله فيها رحمة.
فارتفعت أصوات من حوله بالبكاء. فقال :
ألا وإن وراءها جنة كعرض السموات والأرض أعدت للمتقين (٣).
فصل
في نكت من أخباره
لما بويع رضي الله عنه واستقام له بعض الأمر. أشير عليه بأن يقر معاوية على الشام وعبد الله بن عامر بن كريز (٤) على البصرة (٥) ريثما تستقر الأمور في قرارها ، امتنع عن ذلك. وقال : (ما كُنْتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ [عَضُداً]) (٦).
__________________
(١) المزمل : ١٧.
(٢) الحج : ٢.
(٣) من قوله تعالى في سورة آل عمران : ١٣٣ (وَسارِعُوا إِلى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّماواتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ).
(٤) عبد الله بن عامر بن كريز بن ربيعة ، يكنى أبا عبد الرحمن. ولد بمكة وولي البصرة أيام عثمان سنة ٢٩ ه ومات بمكة. ودفن بعرفات سنة ٥٩ ه القصد والأمم ٧٢ ، الإصابة ٣ / ٦١.
(٥) في الأصل : (النصرة).
(٦) الكهف : ٥١ وفي الأصل : (متخذا المضلين).