قال الأصمعي : كان بشار بن برد يقول : ما في الأرض أحسن من الإنسان. فإذا قيل له ، فكيف؟ قال : سمعت الله يقول : (لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ) (١).
قال : فعلمت أن القول لم يطلق هذا الإطلاق ، وهو يمر بالمتصنعين ، والعيابين والمعاندين ، فلا يعارضه أحد بالتكذيب ، إلّا والأمر على ما وصف.
قال : وحكى غير الأصمعي أن بشارا ـ كان أعمى أكمه ـ كذلك قال يوما بعد أن أطال السكوت ، وتنفس الصعداء :
أما والله ، إني لست أتلهف على ما يفوتني من رؤية هذا العالم إلا على شيئين اثنين. قيل : وما هما يا أبا معاذ؟ قال : الإنسان والسماء. قيل ولم؟ قال : لأن الله يقول (لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ) (٢) ويقول (وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّماءَ الدُّنْيا بِمَصابِيحَ) (٣) فلا شيء أحسن مما ذكره الله (بأنه) (٤) خلقه في أحسن تقويم ، ومما ذكر أنه زينه ، أفلا تشق (٥) عليّ رؤيتهما؟ وفي الله عوض من كل فائت.
وفي كتاب الفرج بعد الشدة (٦) بإسناده لصاحبه أن عيسى بن موسى الهاشمي (٧) كانت له امرأة من بنات أعمامه لا يرى بها الدنيا. فقال لها يوما وقد أعجبته جدا (٨) : أنت طالق إن لم تكوني أحسن من القمر. فصكّت وجهها ودقت صدرها (٩). ثم قامت واستترت ،
__________________
(١) التين : ٤.
(٢) نفسها.
(٣) الملك : ٥.
(٤) في الأصل : (فأن الله).
(٥) في الأصل : (فلا تشق).
(٦) الفرج بعد الشدة كتاب لأبي علي المحسن التنوخي وهو كتاب مطبوع أكثر من طبعة.
(٧) عيسى بن موسى الهاشمي أحد رجال العباسيين وقوادهم المشهورين ، وكان ولي عهد الخليفة المنصور قبل أن يجعلها في ابنه المهدي. انظر مروج الذهب ج ٣ / ٢٥٢ ، ٢٨١ ، ٢٩٢ ، ٢٩٥.
(٨) في الأصل : (وجدا).
(٩) في الأصل : (بحذها).