وكان كريم الطبيعة ، جميل العشرة ، طلق الوجه ، هشّا بشّا ، بساما في غير ضحك ، متواضعا من غير ذل ، جوادا من غير سرف ، رقيق القلب كما قال الله تعالى (بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ) (١).
وكان لم يتجشأ قط من شبع (٢) ، ولا مدّ يده إلى طمع ، وما كان أكل قط وحده ، ولا منع رفده (٣) ، ولا ضرب عبده ، ولا ضرب أحدا إلا في سبيل ربه.
وكان يتوسد (٤) يده ويغضّ من نفسه ، فذلك قول الله تعالى فيه (وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ) (٥) ، ولا عظيم أعظم ممن عظّمه الله ، ولو لم يكن من كرم خلقه ، وشرف نفسه ، وحسن عفوه ، وسماحة طبعه ، ورجاحة (٦) علمه إلّا ما كان منه يوم فتح مكة ؛ لكان (٧) ذلك من أكمل الكمال. وقد كانوا قتلوا أعمامه وأولياءه (٨) ، وقلاه أنصاره بعد أن حصروه (٩) في الشّعاب ، وعذّبوا أصحابه بأنواع العذاب ، وجرحوه في بدنه ، وآذوه في نفسه وسفّهوا رأيه ، (١٠) وأجمعوا على كيده. فلما دخل مكة عنوة بغير جهد (١١) ، وظهر عليهم على صغر منهم (١٢). قام خطيبا فحمد الله ، وأثنى عليه. قال : ألا إني أقول لكم ما قال أخي يوسف لأخوته (لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ) (١٣).
__________________
(١) التوبة : ١٢٨.
(٢) في الأصل : (يبحش).
(٣) في الأصل : (رقده).
(٤) في الأصل : (يتوسل). وورد في سلسلة الأحاديث الصحيحة ٦ / ٢٠٦ كان يتوسد يمينه عند المنام.
(٥) القلم : ٤.
(٦) في الأصل : (وسجاحة ... وتخانة).
(٧) في الأصل : (مله لقد كان).
(٨) في الأصل : (أولياه).
(٩) في الأصل : (حضروه).
(١٠) في الأصل : (عليه).
(١١) في الأصل : (جهرهم).
(١٢) يفي الأصل : (صفر).
(١٣) يوسف : ٩٢ والخطبة في البيان والتبيين ٢ / ٣٠ ويقال إنه حين وقف خطيبا فيهم قال : (يا معشر قريش ، ما ترون أني فاعل بكم؟ قالوا خيرا. أخ كريم وابن أخ كريم. قال : اذهبوا فأنتم الطلقاء) السيرة ٢ / ٤١٢ ، الطبري ٣ / ١٢٠.