عبد آكل كما يأكل العبد (١). وكان يمزح ولا يقول إلا حقا. مازح (٢) عجوزا فقال : (إن الجنة لا يدخلها العجز). فبكت وجزعت ، فقرأ عليهالسلام (إِنَّا أَنْشَأْناهُنَّ إِنْشاءً (٣٥) فَجَعَلْناهُنَّ أَبْكاراً (٣٦) عُرُباً أَتْراباً) (٣).
وكان يعقل البعير ، ويعلف الناضج (٤) ، ويخصف النعل ، ويرقع الثوب ، ويصلح الدلو.
وكان يقول : (لا تفضلوني (٥) على من سبح الله في الظلمات الثلاث) يعني يونس عليهالسلام (٦). ولا شك في أنه أفضل منه ، ومن جميع الأنبياء عليهمالسلام ، ولكنه كان يعطي التواضع حقه.
وأتى يوما برجل فأخذته الرّعدة فقال له : (هوّن (٧) عليك فإنما أنا بشر مثلكم (٨) ، ولست بملك ، ولا جبار ، إنما أنا ابن امرأة كانت تأكل القديد) (٩).
وكان عليهالسلام هيّن المؤونة لين الجانب. كما قال الله تعالى (فَبِما رَحْمَةٍ مِنَ اللهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ) (١٠).
__________________
(١) في الأصل : (العبد).
(٢) في الأصل : (مازج).
(٣) الواقعة ٣٥ ـ ٣٧ وورد في تفسير هذه الآية : (هن اللواتي قبضن في الدنيا عجائز ، رمصا شمصا ، خلقهن الله بعد الكبر فجعلهن عذارى) انظر تفسير الطبري ٢٧ / ١٨٧.
(٤) في الأصل : (بعقل ... ويرفع) والناضج البعير يستقى عليه. والأنثى ناضجة.
(٥) في الأصل : (لا يفضلوني).
(٦) إشارة إلى قوله تعالى : (وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغاضِباً فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنادى فِي الظُّلُماتِ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ (٨٧) فَاسْتَجَبْنا لَهُ وَنَجَّيْناهُ مِنَ الْغَمِ) الأنبياء : ٨٧ ـ ٨٨.
(٧) انظر في هذا المعنى سورة فصلت : ٦ وآيات أخرى.
(٨) في الأصل : (هين).
(٩) القديد : اللحم المقدد أي المجفف. لسان العرب (قدد).
(١٠) آل عمران : ١٥٩. والحديث في سلسلة الأحاديث الصحيحة وروايته فيه : هوّن عليك ، فإني لست بملك ، إنما أنا ابن امرأة من قريش كانت تأكل القديد.