رابعاً : أن بعض الروايات الأخر قد كشفت عن أن ما صدر من الإمام الصادق عليهالسلام من ذم زرارة وغيره من أجلاء الرواة إنما كان تقيَّة عليهم لئلا تتوجه إليهم أنظار المخالفين فيلحقوهم بالأذى والضرر.
ومن تلك الروايات ما رواه الكشي بسنده عن عبد الله بن زرارة قال : قال لي أبو عبد الله عليهالسلام : اقرأ مني على والدك السلام ، وقل له : إني إنما أعيبك دفاعاً مني عنك ، فإن الناس والعدو يسارعون إلى كل من قرَّبناه وحمدنا مكانه ، لإدخال الأذى فيمن نحبه ونقرِّبه ، يرمونه لمحبتنا له وقربه ودنوّه منا ، ويرون إدخال الأذى عليه وقتله ، ويحمدون كل من عبناه نحن وأن نحمد أمره ، فإنما أعيبك لأنك رجل اشتهرتَ بنا ولِمَيْلك إلينا ، وأنت في ذلك مذموم عند الناس غير محمود الأثر ، لمودتك لنا ولميلك إلينا ، فأحببتُ أن أعيبك ليحمدوا أمرك في الدين بعيبك ونقصك ، ويكون بذلك منا دافع شرّهم عنك ، يقول الله جل وعز (أَمَّا السَّفِينَةُ فَكانَتْ لِمَساكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَها وَكانَ وَراءَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْباً) (١) ، هذا التنزيل من عند الله صالحة ، لا والله ما عابها إلا لكي تسلم من الملِك ولا تعطب على يديه ، ولقد كانت صالحة ، ليس للعيب منها مساغ والحمد الله. فافهم المثل يرحمك الله ، فإنك والله أحب الناس إليَّ ، وأحب أصحاب أبي عليهالسلام حيًّا وميتاً ، فإنك أفضل سفن ذلك البحر القمقام الزاخر ، إن من ورائك ملكاً ظلوماً غصوباً ، يرقب عبور كل سفينة صالحة ترِدُ من بحر الهدى ، ليأخذها غصباً ثمّ يغصبها وأهلها ، فرحمة الله عليك حيًّا ، ورحمته ورضوانه عليك ميتاً ، ولقد أدَّى إليَّ ابناك الحسن والحسين رسالتك ، حاطهما الله وكَلاهما ورعاهما وحفظهما بصلاح أبيهما كما حفظ الغلامين ، فلا يضيقنَّ صدرك من الذي أمرك أبي عليهالسلام وأمرتك به ، وأتاك أبو بصير بخلاف الذي أمرناك به ، فلا والله ما أمرناك ولا أمرناه إلا بأمر وسعنا ووسعكم الأخذ به ، ولكل ذلك عندنا تصاريف ومعان توافق الحق ، ولو أُذِنَ لنا لعلمتم أن الحق في الذي أمرناكم به ،
__________________
(١) سورة الكهف ، الآية ٧٩.