والاحترام المتبادل التي لم يكن فيها الثعالبي أقل منزلة وكرامة من أولئك الذين خاضوا غمار السياسة والوزارة. وإذا كانت بعض هذه الأجواء لا تميل إلى العربية لغة تأليف وتخاطب وأدب ، فقد فرض الثعالبي شخصيته العربية حين ألّف كل ما ألّف بالعربية ، ولم يستهوه استعمال غيرها في كل ما كتب ، فكان له دوره العظيم في خدمة العربية وتسجيل مآثر معاصريه ممن كانت له إسهامات في الشعر والنثر (١).
ونستطيع أن نعد الثعالبي محظوظا في حياته وبعد وفاته ، ولا نريد بالحظ إلّا توافر سبل الشهرة والخير له .. فقد عرف معاصروه من الأدباء والمفكرين ورجال السياسة قدره ، وتلقوه بالإكرام ، حتى إذا توفاه الله بقيت كتبه متداولة بين الناس .. ولم يصبها ما أصاب كتب غيره من الأدباء والمؤلفين ممن لم يقلّوا عنه شهرة وأدبا. لقد ضاعت كثير من مؤلفات مفكرينا القدماء ، واندثرت إلّا بقايا أسماء ذكرت في تراجمهم ؛ ونظرة سريعة إلى فهرست ابن النديم ، ومعجم الأدباء لياقوت الحموي أو كشف الظنون أخيرا تدلنا على ضخامة ما ضاع وتبعثر من تراثنا العربي القديم. أما الثعالبي فقد شاء الله له أن تلقى كتبه رواجا أيام حياته ، وأن يبقى معظمها متداولا سالما من عوارض الأيام والاندثار عبر القرون الطويلة حتى إذا ازدهرت حركة النشر والتحقيق في عصرنا هذا كان نصيب الثعالبي وافرا من الدراسات الأكاديمية الجادة أولا ، وفي جهود المحققين والناشرين ثانيا.
لقد كتبت عن الثعالبي أكثر من رسالة جامعية في البلاد العربية وأبحاث جادة كثيرة كتبها عرب ومستشرقون ، بعضها تناولت حياته بالدرس والبحث ، وأخرى تناولت كتبه ومؤلفاته دراسة وتحقيقا. فكان منها ما كتبه بروكلمان (٢) في دائرة المعارف الإسلامية ، وما كتبه بوسورث في مقدمة اللطائف (٣) أو في بحوثه الأخرى عن الغزنويين أو الساميين ثم دراسة الأستاذ عبد الفتاح الحلو كما أشار إليها في مقدمة التمثيل والمحاضرة (٤) ، ودراسة الأخ
__________________
(١) انظر ملاحظات عن سيرة الثعالبي : ٢٠٤.
(٢) تاريخ الأدب العربي ١ / ٣٣٨ ، الملحق ١ / ٥٠٠.
(٣) ترجمة بوسورت للطائف المعارف في ادنبرة ١٩٦٣ م عن ملاحظات عن سيرة الثعالبي.
(٤) راجع مقدمة التمثيل والمحاضرة.