لقد كان للشخصيات السياسية والثقافية التي اتصل بها الثعالبي أثرها الكبير في حياته وأدبه. وهو أثر تجاوز ما يمكن أن يشاع حول أدبائنا ومفكرينا القدماء ، من كونهم يتصلون بالملوك والأمراء طلبا للعطاء والهدايا. تجاوز الثعالبي هذه الصلة من خلال علاقاته الوطيدة التي ربطته بهذه الشخصيات والتي يبدو إعجابه بها من خلال ما نقله عنهم ، وأنهم كانوا يبادلونه الحب والإعجاب ، فمعظمهم إن لم يكونوا أدباء وشعراء حقا فهم مثقفون يتصيدون الأخبار النادرة ويتبادلون الأشعار ، ويجمعون الأدباء والشعراء ليس تحقيقا للمنافسة السياسية فحسب ، بل لأن معظمهم من المولعين بالأدب حقا ؛ لذا نجد إطراء الثعالبي لهم إطراء ينسجم مع ما نهل من مجالسهم من زاد المسامرات ، وحصيلة المجالس الأدبية الشيقة التي جمعت أدباء العصر كأبي الفتح البستي ، وأبي بكر الخوارزمي ، وبديع الزمان الهمداني ، وغيرهم كثير (١).
فأبو الفتح البستي الوزير الأديب الشاعر : علي بن محمد بن الحسين المتوفى سنة ٤٠٠ ه (٢) ، ترجم له الثعالبي ترجمة طويلة ، وذكر كثيرا من أشعاره ، وغرر أقواله (٣) ، وأهدى إليه كتابا أحسن ما سمعت (٤). وكانا يتبادلان الأشعار كقول البستي في الثعالبي :
قلبي مقيم بنيسابور عند أخ |
|
ما مثله حين تستقرى البلاد أخ |
له صحائف أخلاق مهذبة |
|
منها الحجى والعلى والظرف تنتسخ (٥) |
ونقل الثعالبي كثيرا من أخبار تلازمهما ومصاحبتهما إذ كانا يتبادلان الأحاديث والمسامرات ، فقد ذكر في كتابه تحفة الوزراء خبرا ورد فيه : (وقال لي يوما أبو الفتح البستي بنيسابور ، وقد أخذنا بأطراف الأحدايث بيننا : ما أحوج الأمير سيف الدولة يعني السلطان يمين الدولة وأمين الملة ـ أعزّ الله تعالى أنصاره ـ أنه كان إذ ذاك صاحب الجيش للأمير نوح
__________________
(١) راجع مصادر الثعالبي في كتابه (يتيمة الدهر) في مجلة المجمع العلمي العراقي العدد ١٤ المجلد ٣٢ بغداد سنة ١٩٨١ م.
(٢) وفيات الأعيان ٣ / ٣٧٦ ، ٣٧٨.
(٣) خاص الخاص ٢٤١ ، ٢٤٢.
(٤) يتيمة الدهر ٢ / ٢٤٢ ، وانظر ديوان البستي ٢٤١ ، ٢٧٥ ، ٣١١.
(٥) يتيمة الدهر ٢ / ٢٤٢.