يا هذا إنا قد كرهناك فاعتزلنا ، وإلا قتلناك. فتكلم زيد : (إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكانُوا شِيَعاً لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّما أَمْرُهُمْ إِلَى اللهِ) (١) فصاح به الناس وسبوه.
وتكلم في بعض الأيام عبد الله بن سلام (٢) فكان من كلامه (٣) أنه قال :
إياكم وقتل هذا الشيخ ، فإنه خليفة ولي (٤) الله. ما قتل نبي إلا قتل به سبعون ألفا من أمته ، وما قتل خليفة لنبي إلا قتل به خمسة وثلاثون ألفا.
فنادوه من كل جانب أعزب (٥) يا يهودي. فقال لهم :
أتقولون هذا لمن قال الله فيه : (قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كانَ مِنْ عِنْدِ اللهِ وَكَفَرْتُمْ بِهِ وَشَهِدَ شاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ عَلى مِثْلِهِ فَآمَنَ وَاسْتَكْبَرْتُمْ) (٦) ، وقال في آية أخرى : (قُلْ كَفى بِاللهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتابِ) (٧).
فلم يلتفتوا إلى قوله حتى كان ما كان من قتل عثمان رضي الله عنه.
وروى أنه بلغ عثمان عن عائشة رحمها الله كلام كرهه فتلا : (ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً لِلَّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَتَ نُوحٍ وَامْرَأَتَ لُوطٍ كانَتا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبادِنا
__________________
(١) الأنعام : ١٥٩.
(٢) عبد الله بن سلام بن الحارث الإسرائيلي يكنى أبا يوسف ، صحابي أسلم عند قدوم النبي صلىاللهعليهوسلم إلى المدينة في السنة الأولى للهجرة وكان اسمه الحصين فأبدله الرسول صلىاللهعليهوسلم. ولما كانت الفتنة بين علي ومعاوية اعتزلها وأقام بالمدينة إلى أن مات نحو سنة ٤٣ ه. انظر التنبيه والإشراف : ٢٠١ ، طبقات فقهاء اليمن : الجعدي ٥٧ ، صفة الصفوة ١ / ٣٠١.
(٣) في أنساب الأشراف ٥ / ١٥ : أن عثمان هو الذي طلب من عبد الله بن سلام أن يخرج إليهم ، فخرج إليهم ووعظهم ، وعظم حرمة المدينة ، وقال لهم إنه ما قتل خليفة قط إلا قتل به خمسة وثلاثون ألفا. فقالوا كذبت يهودي ابن يهودي.
(٤) لعل صوابها خليفة نبي الله.
(٥) أعزب أي تباعد. انظر الصحاح (عزب).
(٦) الأحقاف : ١٠ وقد أضيفت كلمة (واستكبرتم) خطأ بعد كلمة وكفرتم فحذفناها.
(٧) الرعد : ٤٣.