فقال له أبو العيناء : (أَتُرِيدُ أَنْ تَقْتُلَنِي كَما قَتَلْتَ نَفْساً بِالْأَمْسِ) (١) ، فكفّ عنه موسى ، ثم ترضّاه بمال أنفذه إليه (٢).
قال بعض السلف : إن الفرار مما لا يطاق من سير المرسلين. يعني ما كان من فرار موسى (٣).
قال بعض السلف [عن] (٤) ابن عائشة : كن لما لا ترجو أرجى منك لما ترجو ؛ فإن موسى ذهب يقتبس النار فكلّمه الملك الجبار.
تعرض رجل للرشيد وهو في الطواف فقال :
يا أمير المؤمنين إني مكلمك بكلام غليظ فاحتمله. فقال :
لا ، ولا كرامة لك. إن الله قد بعث من هو خير منك إلى من هو شر مني فقال : (فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشى) (٥).
وكان يحيى بن معاذ (٦) إذا قرأ هذه الآية قال : هذا رفقك بمن يدعي الربوبية ، فكيف رفقك بمن يقرّ بالعبودية.
__________________
(١) نفسها : ١٩.
(٢) الخبر في زهر الآداب ١ / ٢٨٤ وفيه : أن قول أبي العيناء بلغ نجاح بن سلمة. وفي ذيل زهر الآداب : ٣٣٢ أن نجاح بن سلمة كان قد ضمن الحسن بن مخلد وموسى بن عبد الملك بمال عظيم للمتوكل ، فاحتال عبد الله بن يحيى حتى تضمناه بذلك وعاد عليه الأمر ، ثم اغتاله موسى بن عبد الملك فقتله ، فبلغ الأمر المتوكل فأكبره وهمّ بالإيقاع بموسى ، فتلطف عبيد الله بن يحيى وعمه الفتح بن خاقان حتى سكن غضبه. واتفق ذلك في ولادة المعتز فاشتغل باللهو والسرور بذلك. فدخل أبو العيناء بعد ذلك على المتوكل ، وكان واجدا على موسى بن عبد الملك. فقال : ما تقول : في نجاح بن سلمة؟ قال ما قاله عزوجل (فَوَكَزَهُ مُوسى فَقَضى عَلَيْهِ).
(٣) في الأصل : (القرار .. ستر .. قرار).
(٤) يبدو أن كلمة سقطت بعد قوله بعض السلف وأرجح أن تكون (عن) لأن القول منسوب إلى ابن عائشة في ثمار القلوب ٣٩ والإيجاز والإعجاز ٣٦ وابن عائشة هذا هو عبد الرحمن بن عبيد الله. وعائشة أمه هي أم محمد بنت عبد الله بن عبيد الله من تيم قريش ، أديب شاعر له شعر في هجاء أحمد بن أبي دؤاد وغيره. انظر : معجم الشعراء : ٣٣٨.
(٥) طه : ٤٤.
(٦) يحيى بن معاذ الرازي : واعظ زاهد من أهل الري أقام ببلخ ، ومات بنيسابور. توفي نحو ٢٥٨ ه. انظر : صفة الصفوة ٤ / ٧١ ـ ٨٠.