وبعد معرفة هذه الإستعمالات للفظة (خَلَقَ) ؛ يظهر معنى الرواية التي عليها مدار البحث في التقدير ، والأعوام الغيبية المعلومة عند الله عَزّ وجَلّ ، ويتفق هذا الوجه مع ما ذهب إليه الشيخ أحمد آل طوق القطيفي. كما يظهر معنى الرواية القائلة : (وقد إختارها الله تعالى لي يوم دعا الأرض) في الخلق التكويني.
ثانياً ـ جاء في رواية بَيّاع السابري ، عن الإمام الصادق عليه السلام قال : (إنّ أرض مكة قالت : من مثلي؟ وقد جعل بيت الله على ظهري ، يأتيني الناس من كل فَجّ عميق ، وجعلت حرم الله وأمنه. فأوحى الله إليها : أن كُفّي وقرِّي فوعزتي ما فَضْلٌ فُضّلتِ به فيما أعطيت كربلاء ، إلا بمنزلة أبرة غمست في البحر فحملت من ماء البحر ، ولولا تربة كربلاء ما فًضّلتِ ، ولولا من تضمنت أرض كربلاء ما خلقتك ، ولا خلقت البيت الذي به إفتخرتِ) (٧١).
نستفيد من هذه الرواية ، أنّ أرض مكة تفتخر بالبيت الحرام ، الذي هو أول بيت وضع للعبادة ، وجعله الله سبحانه وتعالى هدىً للعالمين ، كما في قوله تعالى : (إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِّلْعَالَمِينَ) [آل عمران / ٩٦]. ولكن كربلاء تفتخر بالحسين عليه السلام ، كما في حديث الإمام السجاد عليه السلام : (أنا أرض الله المقدّسة ، والطينة المباركة ، التي تضمنت سيد الشهداء) ، وسيد الشهداء عليه السلام أفضل من الكعبة والبيت الحرام ؛ لأنّه عليه السلام من أهل بيت آل محمد عليهم السلام ، الذين هم أول بيت وضع للمخلوقات من الأنبياء والأوصياء والملائكة ، ويمكن الإستشهاد لذلك بما يلي :
__________________
(٧١) ـ النوري ، ميرزا حسين الطبرسي : مستدرك الوسائل ، ج ١٠ / ٣٢٢ (باب ٥١ من أبواب المزار ـ حديث ١).