سادساً ـ حيرة بنات الرسالة في كربلاء :
إنّ من يقرأ السيرة الحسينية ، يلاحظ أنّ لبنات النبوة مواقف أحارتها وأذهلتها ، وأوجلت قلوبها ، وخصوصاً ساعة الوداع ، حينما جاءها سيد الشهداء عليه السلام مودعاً ، فقد ذابت أساً وتجرعت غصصاً ، حينما رأت عمادها وسياج صونها بتلك الحالة المشجية ، حيث الدماء تغلي كما أشار إلى ذلك الإمام زين العابدين عليه السلام بقوله : (ضمني والدي عليه السلام إلى صدره حين قتل والدماء تغلي) (١٤٧). من الذي يستطيع أنّ يصوِّر الحسين عليه السلام مع عياله ، وقد خرجت كسرب القطا المذعورة ، وتعلقن بأذياله بين طفلة تنشد الماء ، ووالهة أذهلها المصاب؟
يقول الشيخ عباس القمي (ره) مصوراً لنا هذا الموقف : «إنّ مصاب الإمام الحسين عليه السلام كلها لها في القلب حرقة ، وفي العين دمعة ، لكن مصيبة الوداع لعلها أشد تأثيراً وإيلاماً في النفس ، خاصة وأنّ صغاره وأطفاله ، وبني قرباه ممن كانوا منه بمنزلة أولاده عليه السلام ، كانوا يحيطون به جميعاً وهم يبكون ويعولون ... وينقل عن عبد الله بن الحرّ قوله : قدم عليّ الحسين ولحيته كأنها جناح غراب ، فما رأيت أحداً قط أحسن منه ، ولا أملأ للعين منه ، فما رفقت على أحد رقّني عليه حين رأيته يمشي والصبيان حوله» (١٤٨).
إن هذه الساعة من أعظم المصائب على قلب الزهراء عليها السلام ، ومما يؤيد ذلك ما يلي :
__________________
(١٤٧) ـ القمي ، الشيخ عباس : منتهى الآمال ، ج ١ / ٥٣٣.
(١٤٨) ـ نفس المصدر.