صبرتم عن سقايته سويعه أسلم أمره إليكم وتنازل لكم. فخشي ابن سعد من طول المقام والمقال أن يتمرد عليه جيشه المطيع ، فقال لحرملة : اقطع نزع القوم وكان من الرماة القساة ، فعرف عرض ابن سعد فرمى الرضيع بسهم نحره به ، وصار الحسين يأخذ دمه بكفه ، وكلما إمتلأت كفه دماً رمى به إلى السماء ، قائلاً : (اللهم لا يكون أهون عليك من فصيل يعنى فصيل ناقة صالح) (١٤٣).
خامساً ـ حيرة القوم في قتل الحسين عليه السلام :
قال أبو مختف في مقتله : «ولقد مكث طويلاً من النهار ، ولو شاء الناس أن يقتلوه لفعلوا ولكنهم كان يتقي بعضهم ببعض ، ويجب هؤلاء أن يكفيهم هؤلاء ، قال : فنادى شمر في الناس : ويحكم ماذا تنظرون بالرجل؟ أقتلوه ثكلتكم أمهاتكم ... إلخ» (١٤٤). وإلى هذا المعنى يشير الشيخ القرشي بقوله : «وكانت هيبته تأخذ بمجامع القلوب ، حتى قال بعض أعدائه : لقد شغلنا جمال وجهه ونور بهجته عن الفكرة في مقتله. وما إنتهى إليه رجل إلا إنصرف كراهية أن يتولى قتله» (١٤٥) ، وإلى هذا يشير إمامنا الصادق عليه السلام بقوله : (لما ضرب الحسين بن علي عليه السلام بالسيف ، ثم إبتدر ليُقطع رأسه ، نادى منادٍ من قبل ربّ العزّة تبارك وتعالى من بطنان العرش فقال : ألا أيتها الأمة المتحيرة الظالمة بعد نبيها ، لا وفقكم الله لأضحى ولا فطر. قال : ثم قال أبو عبد الله عليه السلام : لا جرم والله ، ما وفقوا ولا يوفقون أبداً حتى يقوم ثائر الحسين عليه السلام) (١٤٦).
__________________
(١٤٣) ـ الشهرستاني ، السيد هبة الدين : نهضة الحسين / ١٢٧ ـ ١٢٨.
(١٤٤) ـ أبو مخنف ، لوط بن يحيى : مقتل الحسين / ٢٠٠.
(١٤٥) ـ القرشي ، الشيخ باقر شريف : حياة الإمام الحسين ، ج ٣ / ٢٩٠.
(١٤٦) ـ الصدوق ، الشيخ محمد بن علي : أمالي الصدوق / ١٤٢. (المجلس ٣١ ـ حديث ٥).